وعن مجاهد : أن ينفذونك بنظرهم . وقال القرطبي : يقال زلق السهم وزهق إذا نفذ ولم أراه لغيره قال الراغب قال يونس : لم يسمع الزلق والإزلاق إلا في القرآن اه .
قلت : وعلى جميع الوجوه فقد جعل الإزلاق بأبصارهم على وجه الاستعارة المكنية شبهت الأبصار بالسهام ورمز إلى المشبه به بما هو من روادفه وهو فعل ( يزلقونك ) . وهذا مثل قوله تعالى ( إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ) .
وقرأ نافع وأبو جعفر ( يزلقونك ) بفتح المثناة مضارع زلق بفتح اللام يزلق متعديا إذا نحاه من مكانه . وقرأه الباقون بضم المثناة .
وجاء ( يكاد ) بصيغة المضارع للدلالة على استمرار ذلك في المستقبل وجاء فعل ( سمعوا ) ماضيا لوقوعه مع ( لما ) وللإشارة إلى أنه قد حصل منهم ذلك وليس مجرد فرض .
واللام في ( ليزلقونك ) لام الابتداء التي تدخل كثيرا في خبر ( إن ) المكسورة وهي أيضا تفرق بين ( إن ) المخففة وبين ( إن ) النافية .
وضمير ( إنه لمجنون ) عائد إلى النبي A حكاية لكلامهم بينهم فمعاد الضمير كائن في كلام بعضهم أو ليس للضمير معاد في كلامهم لأنه منصرف إلى من يتحدثون عنه في غالب مجالسهم .
والمعنى : يقولون ذلك اعتلالا لأنفسهم إذ لم يجدوا في الذكر الذي يسمعونه مدخلا للطعن فيه فانصرفوا إلى الطعن في صاحبه A بأنه مجنون لينتقلوا من ذلك إلى الكلام الجاري على لسانه لا يوثق به ليصرفوا دهماءهم عن سماعه فلذلك أبطل الله قولهم ( إنه لمجنون ) بقوله ( وما هو إلا ذكر للعالمين ) أي ما القرآن إلا ذكر للناس كلهم وليس بكلام المجانين وينتقل من ذلك إلى أن الناطق به ليس من المجانين في شيء .
والذكر : التذكير بالله والجزاء هو أشرف أنواع الكلام لأنه فيه صلاح للناس .
فضمير ( هو ) عائد إلى مذكور بل إلى معلوم من المقام وقرينة السياق ترجع كل ضمير من ضميري الغيبة إلى معاده كقول عباس بن مرداس : .
عدنا ولولا نحن أحدق جمعهم ... بالمسلمين وأحرزوا ما جمعوا أي لأحرز الكفار ما جمعه المسلمون .
A E وفي قوله ( ويقولون إنه لمجنون ) مع قوله في أول السورة ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) محسن رد العجز على الصدر .
وقوله ( وما هو إلا ذكر للعالمين ) إبطالا لقولهم ( إنه لمجنون ) لأنهم قالوه في سياق تكذيبهم بالقرآن فإذا ثبت أن القرآن ذكر بطل أن يكون مبلغه مجنونا . وهذا من قبيل الاحتباك إذ التقدير : ويقولون إنه لمجنون وإن القرآن كلام مجنون وما القرآن إلا ذكر وما أنت إلا مذكر .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الحاقة .
سميت ( سورة الحاقة ) في عهد النبي A . وروى أحمد بن حنبل أن عمر ابن الخطاب قال " خرجت يوما بمكة أتعرض لرسول الله قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد الحرام فوقفت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن فقلت : هذا والله شاعر " أي قلت في خاطري " فقرأ ( وما هو بقل شاعر قليل ما تؤمنون ) قلت : كاهن فقرأ ( ولا بقول كاهن قليل ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ) إلى آخر السورة فوقع الإسلام في قلبي كل موقع " .
وباسم ( الحاقة ) عنونت في المصاحف وكتب السنة وكتب التفسير . وقال الفيروز أبادي في بصائر ذوي التمييز : إنها تسمى أيضا " سورة السلسلة " لقوله ( ثم في سلسلة ) وسماها الجعبري في منظومته في ترتيب نزول السور " الواعية " ولعله أخذه من وقوع قوله ( وتعيها أذن واعية ) ولم أر سلفا في هذه التسمية .
ووجه تسميتها ( سورة الحاقة ) وقوع هذه الكلمة في أولها ولم تقع في غيرها من سور القرآن .
وهي مكية بالاتفاق . ومقتضى الخبر المذكور عن عمر بن الخطاب أنها نزلت في السنة الخامسة قبل الهجرة فإن عمر أسلم بعد هجرة المهاجرين إلى الحبشة وكانت الهجرة إلى الحبشة سنة خمس قبل الهجرة إلى المدينة .
وقد عدت هذه السورة السابعة والسبعين في عداد ترتيب النزول . نزلت بعد سورة تبارك وقبل سورة المعارج .
وانفق العادون من أهل الأمصار على عد آيها إحدى وخمسين آية .
أغراضها .
اشتملت هذه السورة على تهويل يوم القيامة . وتهديد المكذبين بوقوعه .
وتذكيرهم بما حل بالأمم التي كذبت به من عذاب في الدنيا ثم عذاب الآخرة وتهديد المكذبين برسل الله تعالى بالأمم التي أشركت وكذبت