وقد كانوا إذا ضربوا ضربوا بالسيوف قصدوا الوجوه والرؤوس . قال النبي A يوم بدر لعمر بن الخطاب لما بلغه قول أبي حذيفة لئن لقيت العباس لألجمنه بالسيف فقال رسول الله " يا أبا حفص أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟ " .
وقيل هذا وعيد بتشويه أنفه يوم القيامة مثل قوله ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) وجعل تشويهه يومئذ في أنفه لأنه إنما بالغ في عداوة الرسول والطعن في الدين بسبب الأنفة والكبرياء وقد كان الأنف مظهر الكبر ولذلك سمي الكبر أنفة اشتقاقا من اسم الأنف فجعلت شوهته في مظهر آثار كبريائه .
A E ( إنا بلوناهم كما بلونا أصحب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين [ 17 ] ولا يستثنون [ 18 ] فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون [ 19 ] فأصبحت كالصريم [ 20 ] فتنادوا مصبحين [ 21 ] أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين [ 22 ] فانطلقوا وهم يتخافتون [ 23 ] أن لا يدخلنها اليوم مسكين [ 24 ] وغدوا على حرد قدرين [ 25 ] ) ضمير الغائبين في قوله ( بلوناهم ) يعود إلى ( المكذبين ) في قوله ( فلا تطع المكذبين ) . والجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا دعت إليه مناسبة قوله ( إن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ) فإن الازدهار والغرور بسعة الرزق المفضيين إلى الاستخفاف بدعوة الحق وإهمال النظر في كنهها ودلائلها قد أوقع من قديم الزمان أصحابهما في بطر النعمة وإهمال الشكر فجر ذلك عليهم شر العواقب فضرب الله للمشركين مثلا بحال أصحاب هذه الجنة لعلهم يستفيقون من غفلتهم وغرورهم . كما ضرب المثل بقريب منه في سورة الكهف وضرب مثلا بقارون في سورة القصص .
والبلوى حقيقتها : الاختبار وهي هنا تمثل بحال المبتلى في إرخاء الحبل له بالنعمة ليشكر أو يكفر فالبلوى المذكورة هنا بلوى بالخير فإن الله أمد أهل مكة بنعمة الأمن ونعمة الرزق وجعل الرزق يأتيهم من كل جهة ويسر لهم سبل التجارة في الآفاق بنعمة الإيلاف برحلة الشتاء ورحلة الصيف فلما أكمل لهم النعمة بإرسال رسول منهم ليكمل لهم صلاح أحوالهم ويهديهم إلى ما فيه النعيم الدائم فدعاهم وذكرهم بنعم الله أعرضوا وطغوا ولم يتوجهوا بالنظر إلى النعم السالفة ولا النعمة الكاملة التي أكملت لهم النعم .
ووجه المشابهة بين حالهم وحال أصحاب الجنة المذكورة هنا هو الإعراض عن طلب مرضاة الله وعن شكر نعمته .
وهذا التمثيل تعريض بالتهديد بأن يلحقهم ما لحق أصحاب الجنة من البؤس بعد النعم والقحط بعد الخصب وأن اختلف السبب في نوعه فقد احتد جنسه . وقد حصل ذلك بعد سنين إذ أخذهم الله بسبع سنين بعد هجرة النبي A إلى المدينة .
وهذه القصة المضروب بها المثل قصة معروفة بينهم وهي أنه كانت ببلد يقال له : ضروان " بضاد معجمة وراء وواو مفتوحات وألف ونون " من بلاد اليمن بقرب صنعاء . وقيل : ضروان اسم هذه الجنة وكانت جنة عظيمة غرسها رجل من أهل الصلاح والإيمان من أهل الكتاب قاله ابن عباس . ولم يبين من أي أهل الكتاب هو : أمن اليهود أم من النصارى ؟ فقيل : كان يهوديا أي لأن أهل اليمن كانوا تدينوا باليهودية في عهد بلقيس كما قيل أو بعدها بهجرة بعض جنود سليمان وكانت زكاة الثمار من شريعة التوراة كما في الإصلاح السادس والعشرين من سفر اللاويين