الوقف هو قطع الصوت عن الكلمة حصة يتنفس في مثلها المتنفس عادة والوقف عند انتهاء جملة من جمل القرآن قد يكون أصلا لمعنى الكلام فقد يختلف المعنى باختلاف الوقف مثل قوله تعالى ( وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ) فإذا وقف عند كلمة " قتل " كان المعنى أن أنبياء كثيرين قتلهم قومهم وأعداؤهم . ومع الأنبياء أصحابهم فما تزلزلوا لقتل أنبيائهم فكان المقصود تأييس المشركين من وهن المسلمين على فرض قتل النبي A في غزوته . على نحو قوله تعالى في خطاب المسلمين " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " الآية وإذا وصل قوله " قتل " عند قوله " كثير " كان المعنى أن أنبياء كثيرين قتل معهم رجال من أهل التقوى فما وهن من بقي بعدهم من المؤمنين وذلك بمعنى قوله تعالى ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ) إلى قوله ( ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) .
وكذلك قوله تعالى ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ) الآية فإذا وقف عند قوله ( إلا الله ) كان المعنى أن المتشابه الكلام الذي لا يصل فهم الناس إلى تأويله وأن علمه مما اختص الله به مثل اختصاصه بعلم الساعة وسائر الأمور الخمسة وكان ما بعده ابتداء كلام يفيد أن الراسخين يفوضون فهمه إلى الله تعالى وإذا وصل قوله ( إلا الله ) بما بعده كان المعنى أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه في حال أنهم يقولون آمنا به .
وكذلك قوله تعالى ( واللاء يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللاء لم يحضن ) فإنه لو وقف على قوله ( ثلاثة أشهر ) وابتدأ بقوله ( واللاء لم يحضن ) وقع قوله ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) معطوفا على ( اللاء لم يحضن ) فيصير قوله ( أجلهن أن يضعن حملهن ) . خبرا عن ( اللاء لم يحضن وأولات الأحمال ) ولكنه لا يستقيم المعنى إذ كيف يكون لللاء لم يحضن حمل حتى يكون أجلهن أن يضعن حملهن .
وعلى جميع التقادير لا تجد في القرآن مكانا يجب الوقف فيه ولا يحرم الوقف فيه كما قال ابن الجزري في أرجوزته ولكن الوقف ينقسم إلى أكيد حسن ودونه وكل ذلك تقسيم بحسب المعنى . وبعضهم استحسن أن يكون الوقف عند نهاية الكلام وأن يكون ما يتطلب المعنى الوقف عليه قبل تمام المعنى سكتا وهو قطع الصوت حصة أقل من حصة قطعه عند الوقف فإن اللغة العربية واضحة وسياق الكلام حارس من الفهم المخطئ فنحو قوله تعالى ( يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم ) لو وقف القاري على قوله ( الرسول ) لا يخطر ببال العارف باللغة أن قوله ( وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم ) تحذير من الإيمان بالله وكيف يخطر ذلك وهو موصوف بقوله ( ربكم ) فهل يحذر أحد من الإيمان بربه .
وكذلك قوله تعالى ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ) فإن كلمة " بناها " هي منتهى الآية والوقف عند " أم السماء " ولكن لو وصل القارئ لم يخطر ببال السامع أن يكون " بناها " من جملة " أم السماء " لأن معادل همزة الاستفهام لا يكون إلا مفردا .
على أن التعدد في الوقف قد يحصل به ما يحصل بتعدد وجوه القراءات من تعدد المعنى مع اتحاد الكلمات . فقوله تعالى ( ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قواريرا من فضة قد روها تقديرا ) فإذا وقف على " قواريرا " الأول كان " قواريرا " الثاني تأكيدا لرفع احتمال المجاز في لفظ " قواريرا " واذا وقف على " قواريرا " الثاني كان المعنى الترتيب والتصنيف كما يقال : قرأ الكتاب بابا بابا وحضروا صفا صفا . وكان قوله ( من فضة ) عائدا إلى قوله ( بآنية من فضة ) .
ولما كان القرآن مرادا منه فهم معانيه وإعجاز الجاحدين به وكان قد نزل بين أهل اللسان كان فهم معانيه مفروغا من حصوله عند جميعهم . فأما التحدي بعجز بلغائهم عن معارضته فأمر يرتبط بما فيه من الخصوصيات البلاغية التي لا يستوي في القدرة عليها جميعهم بل خاصة بلغائهم من خطباء وشعراء وكان من جملة طرق الإعجاز ما يرجع إلى محسنات الكلام من فن البديع ومن ذلك فواصل الآيات التي هي شبه قوافي الشعر وأزجاع النثر وهي مراده في نظم القرآن لا محالة كما قد مناه عند الكلام على آيات القرآن فكان عدم الوقف عليها تفريطا في الغرض المقصود منها