وظاهر صيغة الأمر الدلالة على الوجوب فيتركب من هذين أن يكون الإشهاد على المراجعة وعلى بت الطلاق واجبا على الأزواج لأن الإشهاد يرفع أشكالا من النوازل وهو قول ابن عباس وأخذ به يحيى بن بكير من المالكية والشافعي في أحد قوليه وابن حنبل في أحد قوليه وروى عن عمران بن حصين وطاووس وإبراهيم وأبي قلابة وعطاء . وقال الجمهور الإشهاد المأمور به الإشهاد على المراجعة دون بت الطلاق .
أما مقتضى صيغة الأمر في قوله تعالى ( وأشهدوا ذوي عدل ) فقيل هو مستحب وهو قول أبي حنيفة والمشهور عن مالك فيما حكاه ابن القصار ولعل مستند هذا القول عدم جريان العمل بالتزامه بين المسلمين في عصر الصحابة وعصور أهل العلم وقياسه على الإشهاد بالبيع فإنهم اتفقوا على عدم وجوبه وكلا هذين مدخول لأن دعوى العمل بترك الإشهاد دونها منع ولأن قياس الطلاق والرجعة على البيع قد يقدح فيه بوجود فارق معتبر وهو خطر الطلاق والمراجعة وأهمية ما يترتب عليهما من الخصومات بين الانساب وما في البيوعات مما يغني عن الإشهاد وهو التقايض في الاعواض . وقيل الأمر للوجوب المراجعة دون الفرقة وهو أحد قولي الشافعي وأحمد ونسبه إسماعيل بن حماد من فقهاء المالكية ببغداد إلى مالك وهو ظاهر مذهب ابن بكير .
واتفق الجميع على أن هذا الإشهاد ليس شرطا في صحة المراجعة أو المفارقة لأنه إنما شرع احتياطا لحقهما وتجنبا لنوازل الخصومات خوفا من أن يموت فتدعي أنها زوجة لم تطلق أو أن تموت هي فيدعي هو ذلك وكأنهم بنوه على أن الأمر لا يقتضي الفور على أن جعل الشيء شرطا لغيره يحتاج إلى دليل خاص غير دليل الوجوب لأنه قد يتحقق الإثم بتركه ولا يبطل بتركه ما أمر بإيقاعه معه مثل الصلاة في الأرض المغصوبة . وبالثوب المغصوب . قال الموجبون للإشهاد لو راجع ولم يشهد أو بت الفراق ولم يشهد صحت مراجعته ومفارقته وعليه أن يشهد بعد ذلك .
قال يحي بن بكير : معنى الاستشهاد على المراجعة والمفارقة أن يشهد عند مراجعتها إن راجعها وعند انقضاء عدتها إن لم يراجعها أنه قد كان طلقها وأن عدتها قد انقضت .
ولفقهاء الأمصار في صفة ما تقع المراجعة من صيغة بالقول ومن فعل ما هو من أفعال الأزواج تفاصيل محلها كتب الفروع ولا يتعلق بالآية إلا ما جعله أهل العلم دليلا على المراجعة عند من جعله كذلك .
( وأقيموا الشهادة لله ) عطف على ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) .
والخطاب موجه لكل من تتعلق به الشهادة من الشهود عليهم والشهود كل يأخذ بما هو حظه من هذين الخطابين . وليس هو من قبيل ( يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك ) لظهور التوزيع هناك باللفظ دون ما هنا فإنه بالمعنى فالكل مأمورون بإقامة الشهادة .
فتعريف الشهادة لاستغراق أي كل شهادة وهو استغراق عرفي لأن المأمر به الشهادة الشرعية .
ومعنى إقامة الشهادة : إيقاعها مستقيمة لا عوج فيها فالإقامة مستعارة لإيقاع الشهادة على مستوفيها ما يجب فيها شرعا مما دلت عليه أدلة الشريعة وهذه استعارة شائعة وتقدم عند قوله تعالى ( وأقوم للشهادة ) في سورة البقرة .
A E وقوله ( لله ) أي لأجل الله وامتثال أمره لا لأجل المشهود له ولا لأجل المشهود عليه ولا لأجل منفعة الشاهد والإبقاء على راحته . وتقدم بعض هذا عند قوله تعالى ( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) في سورة البقرة .
( ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ) الإشارة إلى جميع ما تقدم من الأحكام التي فيها موعظة للمسلمين من قوله ( وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم ) إلى قوله ( وأقيموا الشهادة لله ) .
والوعظ : التحذير مما يضر والتذكير الملين للقلوب وقد تقدم عند قوله تعالى ( يعظكم الله أن تعودوا لمثله ) في سورة النور .
( ومن يتق الله يجعل له مخرجا [ 2 ] ويرزقه من حيث لا يحتسب ) .
اعتراض بين جملة ( وأقيموا لشهادة ) وجملة ( واللائي يئسن من المحيض ) الآية فأن تلك الأحكام لما اعتبرت موعظة بقوله ( ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ) أعقب ذلك بقضية عامة وهي أن تلك من تقوى الله تعالى وبما لتقوى الله من خير في الدنيا والآخرة على عادة القرآن من تعقيب الموعظة والترهيب بالبشارة والترغيب