والتنويه بالرسول A . وأنه رسول إلى العرب ومن سيلحق بهم .
وأن رسالته لهم فضل من الله .
وفي هذا توطئة لذم اليهود لأنهم حسدوا المسلمين على تشريفهم بهذا الدين .
ومن جملة ما حسدوهم عليه ونقموه أن جعل يوم الجمعة اليوم الفاضل في الأسبوع بعد أن كان يوم السبت وهو المعروف في تلك البلاد .
وإبطال زعمهم أنهم أولياء الله .
وتوبيخ قوم انصرفوا عنها لمجيء عير تجارة من الشام .
( يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم [ 1 ] ) افتتاح السورة بالإخبار عن تسبيح أهل السماوات والأرض لله تعالى براعة استهلال لأن الغرض الأول من السورة التحريض على شهود الجمعة والنهي عن الأشغال التي تشغل عن شهودها وزجر فريق من المسلمين انصرفوا عن صلاة الجمعة حرصا على الابتياع من عير وردت المدينة في وقت حضورهم لصلاة الجمعة .
وللتنبيه على أن أهل السماوات والأرض يجددون تسبيح الله ولا يفترون عنه أوثر المضارع في قوله ( يسبح ) .
ومعاني هذه الآية تقدمت مفرقة في أوائل سورة الحديد وسورة الحسر .
سوى أن هذه السورة جاء فيها فعل التسبيح مضارعا وجيء به في سواها ماضيا لمناسبة فيها وهي : أن الغرض منها التنويه بصلاة الجمعة والتنديد على نفر قطعوا عن صلاتهم وخرجوا لتجارة أو لهو فمناسب أن يحكى تسبيح أهل السماوات والأرض بما فيه دلالة على استمرار تسبيحهم وتجدده تعريضا بالذين لم يتموا صلاة الجمعة .
ومعاني صفات الله تعالى المذكورة هنا تقدمت في خواتم سورة الحشر .
ومناسبة الجمع بين هذه الصفات هنا أن العظيم لا ينصرف عن مجلسه من كان عنده إلا عند انقضاض مجلسه أو إيذانه بانصرافهم .
A E والقدوس : المنزه عن النقص وهو يرغب في حضرته . والعزيز : يعتز الملتفون حوله . فمفارقتهم حضرته تفريط في العزة . وكذلك الحكيم إذا فارق أحد حضرته فاته في كل آن شيء من الحكمة كما فات الذين انفضوا إلى العير ما خطب به النبي A إذ تركوه قائما في الخطبة .
( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين [ 2 ] ) استئناف بياني ناشئ عن إجراء الصفات المذكورة آنفا على اسم الجلالة إذ يتساءل السامع عن وجه تخصيص تلك الصفات بالذكر من بين صفات الله تعالى فكأن الحال مقتضيا أن يبين شيء عظيم من تعلق تلك الصفات بأحوال خلقه تعالى إذ بعث فيهم رسولا يطهر نفوسهم ويزكيهم ويعلمهم . فصفة ( الملك ) تعلقت بأن يدبر أمر عباده ويصلح شؤونهم وصفة ( القدوس ) تعلقت بأن يزكي نفوسهم وصفة ( العزيز ) اقتضت أن يلحق الأميين من عباده بمراتب أهل العلم ويخرجهم من ذلة الضلال فينالوا عزة العلم وشرفه وصفة ( الحكيم ) اقتضت أن يعلمهم الحكمة والشريعة .
وابتداء الجملة بضمير اسم الجلالة لتكون جملة اسمية فتفيد تقوية هذا الحكم وتأكيده أي أن النبي A مبعوث من الله لا محالة .
و ( في ) من قوله ( في الأميين ) للظرفية أي ظرفية الجماعة ولأحد أفرادها . ويفهم من الظرفية معنى الملازمة أي رسولا لا يفارقهم فليس مارا بهم كما يمر المرسل بمقالة أو بمالكة يبلغها إلى القوم ويغادرهم .
والمعنى : أن الله أقام رسوله للناس بين العرب يدعوهم وينشر رسالته إلى جميع الناس من بلاد العرب فإن دلائل عموم رسالة محمد A معلومة من مواضع أخرى من القرآن كما في سورة الأعراف ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) وفي سورة سبأ ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) .
والمراد ب ( الأميين ) : العرب لأن وصف الأمية غالب على الأمة العربية يومئذ . ووصف الرسول ب ( منهم ) أي لم يكن غريبا عنهم كما بعث لوطا إلى أهل سلوم ولا كما بعث يونس إلى أهل نينوى وبعث اليأس إلى أهل صيدا من الكنعانيين الذين يعبدون بعل ف ( من ) تبعيضية أي رسولا من العرب