والاستفهام ب ( من أظلم ) إنكار أي لا أحد أظلم من هؤلاء فالمكذبون من قبلهم إما أن يكونوا أظلم منهم وإما أن يساووهم على كل حال فالكلام مبالغة .
وإنما كانوا أظلم الناس لأنهم ظلموا الرسول A بنسبته إلى ما ليس فيه إذ قالوا : هو ساحر وظلموا أنفسهم إذ لم يتوخوا لها النجاة فيعرضوا دعوة الرسول A على النظر الصحيح حتى يعلموا صدقه وظلموا ربهم إذ نسبوا ما جاءهم من هديه وحجج رسوله A إلى ما ليس منه فسموا الآيات والحجج سحرا وظلموا الناس بحملهم على التكذيب وظلموهم بإخفاء الأخبار التي جاءت في التوراة والإنجيل مثبتة صدق رسول الإسلام A وكمل لهم هذا الظلم بقوله تعالى ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) فيعلم أنه ظلم مستمر .
وقد كان لجملة الحال ( وهو يدعى إلى الإسلام ) موقع متين هنا أي فعلوا ذلك في حين أن الرسول يدعوهم إلى ما فيه خيرهم فعاضوا الشكر بالكفر .
A E وإنما جعل افتراؤهم الكذب على الله لأنهم كذبوا رسولا يخبرهم أنه مرسل من الله فكانت حرمة هذه النسبة تقتضي أن يقبلوا على التأمل والتدبر فيما دعاهم إليه ليصلوا إلى التصديق فلما بادروها بالإعراض وانتحلوا للداعي صفات النقص كانوا قد نسبوا ذلك إلى الله دون توقير .
فأما أهل الكتاب فجحدوا الصفات الموصوفة في كتابهم كما قال تعالى فيهم ( ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ) في سورة البقرة . وذلك افتراء .
وأما المشركون فإنهم افتروا على الله إذ قالوا ( ما أنزل الله على بشر من شيء ) .
واسم ( الإسلام ) علم للدين الذي جاء به النبي A وسلم وهو جامع لما فيه خير الدنيا والآخرة فكان ذكر هذا الاسم في الجملة الحالية زيادة في تشنيع حال الذين أعرضوا عنه أي وهو يدعى إلى ما فيه خيره وبذلك حق عليه وصف ( أظلم ) .
وجملة ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) تأييس لهم من الإقلاع عن هذا الظلم أي أن الذين بلغوا هذا المبلغ من الظلم لا طمع في صلاحهم لتمكن الكفر منهم حتى خالط سجاياهم وتقوم مع قوميتهم ولذلك أقحم لفظ القوم للدلالة على أن الظلم بلغ حد أن صار من مقومات قوميتهم كما تقدم في قوله تعالى ( لآيات لقوم يعقلون ) في سورة البقرة . وتقدم غير مرة .
وهذا يعم المخبر عنهم وأمثالهم الذين افتروا على عيسى ففيها معنى التذييل .
وأسند نفي هديهم إلى الله تعالى لأن سبب انتفاء هذا الهدي عنهم أثر من آثار تكوين عقولهم ومداركهم على المكابرة بأسباب التكوين التي أودعها الله في نظام تكون الكائنات وتطورها من ارتباط المسببات بأسبابها مع التنبيه على أن الله لا يتدارك أكثرهم بعنايته فمغير فيهم بعض القوى المانعة لهم من الهدى غضبا عليهم إذ لم يخلفوا بدعوة تستحق التبصر بسبب نسبتها إلى جانب الله تعالى حتى يتميز لهم الصدق من الكذب والحق من الباطل .
( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون [ 8 ] ) استئناف بياني ناشئ عن الإخبار عنهم بأنهم افتروا على الله الكذب في حال أنهم يدعون إلى الإسلام لأنه يثير سؤال سائل عما دعاهم إلى هذا الافتراء . فأجيب بأنهم يريدون أن يخفوا الإسلام عن الناس ويعوقوا انتشاره ومثلت حالتهم بحالة نفر يبتغون الظلام للتلصص أو غيره مما يراد فيه الاختفاء .
فلاحت له ذبالة مصباح تضيء للناس فكرهوا ذلك وخشوا أن يشع نوره على الناس فتفتضح ترهاتهم فعمدوا إلى إطفائه بالنفخ عليه فلم ينطفيء فالكلام تمثيل دال على حالة الممثل لهم . والتقدير : يريدون عوق ظهور الإسلام كمثل قوم يريدون إطفاء النور فهذا تشبيه الهيئة بالهيئة تشبيه المعقول بالمحسوس