ووجه التسمية وقوع لفظ ( صفا ) فيها وهو صف القتال فالتعريف باللام تعريف العهد .
وذكر السيوطي في الإتقان : أنها تسمى ( سورة الحواريين ) ولم يسنده . وقال الآلوسي تسمى ( سورة عيسى ) ولم أقف على نسبته لقائل . وأصله للطبرسي فلعله أخذ من حديث رواه في فضلها عن أبي بن كعب بلفظ ( سورة عيسى ) . وهو حديث موسوم بأنه موضوع . والطبرسي يكثر من تخريج الأحاديث الموضوعة . فتسميتها ( سورة الحواريين ) لذكر الحواريين فيها . ولعلها أول سورة نزلت ذكر فيها لفظ الحواريين .
وإذا ثبت تسميتها ( سورة عيسى ) فلما فيها من ذكر ( عيسى ) مرتين .
وهي مدنية عند الجمهور كما يشهد لذلك حديث عبد الله بن سلام . وعن ابن عباس ومجاهد وعطاء أنها مكية ودرج عليه في الكشاف والفخر . وقال ابن عطية : الأصح أنها مدنية ويشبه أن يكون فيها المكي .
واختلف في سبب نزولها وهل نزلت متتابعة أو متفرقة متلاحقة .
وفي جامع الترمذي " عن عبد الله بن سلام قال : قعدنا نفر من أصحاب رسول الله A فتذاكرنا فقلنا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه " فأنزل الله تعالى ( سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) قال عبد الله بن سلام فقرأها علينا رسول الله . وأخرجه الحاكم وأحمد في مسنده وابن أبي حاتم والدرامي بزيادة فقرأها علينا رسول الله حتى ختمها أو فقراها كلها .
فهذا يقتضي أنهم قيل لهم : لم تقولون ما لا تفعلون قبل أن يخلفوا ما وعدوا به فيكون الاستفهام مستعملا مجازا في التحذير من عدم الوفاء بما نذروه ووعدوا به .
A E وعن علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) قال : كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون : لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به فأخبر الله أن أحب الأعمال : إيمان به وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به . فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم . فأنزل الله سبحانه وتعالى ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) .
ومثله عن أبي صالح أن السورة نزلت بعد أن أمروا بالجهاد بآيات غير هذه السورة . وبعد أن وعدوا بالانتداب للجهاد ثم تقاعدوا عنه وكرهوه . وهذا المروي عن ابن عباس وهو أوضح وأوفق بنظم الآية والاستفهام فيه للتوبيخ واللوم وهو المناسب لقوله بعده ( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) .
وعن مقاتل بن حيان : قال المؤمنون : لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملنا به فدلهم الله فقال : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ) فابتلوا يوم أحد بذلك فولوا مدبرين فأنزل الله ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) . ونسب الواحدي مثل هذا للمفسرين وهو يقتضي أن صدر الآية نزل بعد آخرها .
وعن الكلبي : أنهم قالوا : لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لسارعنا إليها فنزلت ( هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ) الآية . فابتلوا يوم أحد فنزلت ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) تعيرهم بترك الوفاء . وهو يقتضي أن معظم السورة قبل نزول الآية التي في أولها .
وهي السورة الثامنة والمائة في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد . نزلت بعد سورة التغابن وقبل سورة الفتح . وكان نزولها بعد وقعة أحد .
وعدد آيها أربع عشرة آية باتفاق أهل العدد .
أغراضها .
أول أغراضها التحذير من إخلاف الوعد والالتزام بواجبات الدين .
والتحريض على الجهاد في سبيل الله والثبات فيه وصدق الإيمان .
والثبات في نصرة الدين .
والائتساء بالصادقين مثل الحواريين .
والتحذير من أذى الرسول A تعريضا باليهود مثل كعب بن الأشرف .
وضرب المثل لذلك بفعل اليهود مع موسى وعيسى عليهما السلام .
والتعريض بالمنافقين .
والوعد على إخلاص الإيمان والجهاد بحسن مثوبة الآخرة والنصر والفتح .
( سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم [ 1 ] )