وفسره ابن عطية بمعنى الخالق . وكذبك صاحب القاموس . وفسره الغزالي بانه الموجود المخترع وقد علمت أنه غير منطبق فأحسن تفسير له ما في الكشاف .
A E و ( المصور ) : مكون الصور لجميع المخلوقات ذوات الصور المرئية .
وإنما ذكرت هذه الصفات متتابعة لأن من مجموعها يحصل تصور الإبداع الإلهي للإنسان فابتدئ بالخلق الذي هو الإيجاد الأصلي ثم بالبرء الذي هو تكوين جسم الإنسان ثم بالتصور الذي هو إعطاء الصورة الحسنة كما أشار إليه قوله تعالى ( الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ) ( الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) .
ووجه ذكرها عقب الصفات المتقدمة أي هذه الصفات الثلاث أريد منها الإشارة إلى تصرفه في البشر بالإيجاد على كيفية البديعة ليثير داعية شكرهم على ذلك . ولذلك عقبت بجملة ( يسبح له ما في السماوات والأرض ) .
واعلم أن وجه إرجاع هذه الصفات الحسنى إلى ما يناسبها مما اشتملت عليه السورة ينقسم إلى ثلاثة أقسام ولكنها ذكرت في الآية بحسب تناسب مواقع بعضها عقب بعض من تنظير أو احتراس أو تتميم كما علمته آنفا .
القسم الأول يتعلق بما يناسب أحوال المشركين وأحلافهم اليهود المتألبين على النبي A وعلى المسلمين بالحرب والكيد والأذى وأنصارهم من المنافقين المخادعين للمسلمين .
وإلى هذا القسم تنضوي صفة ( لا إله إلا هو ) وهذه الصفة هي الأصل في التهيؤ للتدبر والنظر في بقية الصفات فإن الإشراك أصل الضلالات والمشركون هم الذين يغرون اليهود والمنافقون بين يهود ومشركين تستروا بإظهار الإسلام فالشرك هو الذي صد الناس عن الوصول إلى مسالك الهدى قال تعالى ( وما زادوهم غير تتبيب ) .
وصفة ( عالم الغيب ) فإن من أصول الشرك إنكار الغيب الذي من آثاره إنكار البعث والجزاء وعلى الاسترسال في الغي وإعمال السيئات وإنكار الوحي والرسالة . وهذا ناظر إلى قوله تعالى ( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ) الآية .
وكذلك ذكر صفات الملك والعزيز والجبار والمتكبر لأنها تناسب ما أنزله ببني النضير من الرعب والخزي والبطشة .
القسم الثاني متعلق بما اجتناه المؤمنون من ثمرة النصر في قصة بني النضير وتلك صفات : السلام المؤمن لقوله ( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب أي لم يتجشم المسلمون للغنى مشقة ولا أذى ولا قتالا .
وكذلك صفتا الرحمان الرحيم لمناسبتهما لإعطاء حظ في الفيء للضعفاء .
القسم الثالث متعلق بما يشترك فيه الفريقان المذكوران في هذه السورة فيأخذ كل فريق حظه منها وهي صفات : القدوس المهيمن الخالق الباريء المصور .
( له الأسماء الحسنى ) تذييل لما عدد من صفات الله تعالى أي له جميع الأسماء الحسنى التي بعضها الصفات المذكورة آنفا .
والمراد بالأسماء الصفات عبر عنها بالأسماء لأنه متصف بها على ألسنة خلقه ولكونها بالغة منتهى حقائقها بالنسبة لوصفه تعالى بها فصارت كالاعلام على ذاته تعالى .
والمقصود : أن له مدلولات الأسماء الحسنى كما في قوله تعالى ( ثم عرضهم على الملائكة ) بعد قوله ( وعلم آدم الأسماء كلها ) أي عرض المسميات على الملائكة .
وقد تقدم قوله تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) في سورة الأعراف .
( يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم [ 24 ] ) جملة ( يسبح له ) الخ في موضع الحال من ضمير ( له الأسماء الحسنى ) يعني أن اتصافه بالصفات الحسنى يضطر ما في السماوات والأرض من العقلاء على تعظيمه بالتسبيح والتنزيه عن النقائص فكل صنف يبعثه علمه ببعض أسماء الله على أن ينزهه ويسبحه بقصد أو بغير قصد . فالدهري أو الطبائعي إذا نوه بنظام الكائنات وأعجب بانتساقها فإنما يسبح في الواقع للفاعل المختار وإن كان هو يدعوه دهرا أو طبيعة وهذا إذا حمل التسبيح على معناه الحقيقي وهو التنزيه بالقول فأما إن حمل على ما يشمل المعنيين الحقيقي والمجازي من دلالة على التنويه ولو بلسان الحال . فالمعنى : أن ما ثبت له من صفات الخلق والإمداد والقهر تدل عليه شواهد المخلوقات وانتظام وجودها .
وجملة ( وهو العزيز الحكيم ) عطف على جملة الحال وأوثر هاتان الصفتان لشدة مناسبتهما لنظام الخلق .
وفي هذه الآية رد العجز على الصدر لأن صدر السورة مماثل لآخرها .
A E