وجملة ( ذلك هو الفوز العظيم ) يحتمل أن يكون من بقية الكلام المحكي بالقول المبشر به ويحتمل أن يكون من الحكاية التي حكيت في القرآن على الاحتمالين فالجملة تذييل تدل على مجموع محاسن ما وقعت به البشرى . واسم الإشارة للتعظيم والتنبيه وضمير الفصل لتقوية الخبر .
( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب [ 13 ] ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور [ 14 ] ) ( يوم يقول ) بدل من ( يوم ترى المؤمنين ) بدلا مطابقا إذا اليوم هو عين اليوم المعرف بقوله ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم ) .
والقول في فتحة ( يوم ) تقدم في نظره قريبا .
وعطف ( المنافقات ) على ( المنافقون ) كعطف ( المؤمنات ) على ( المؤمنين ) في الآية قبل هذه .
والذين آمنوا تغليب للذكور لأن المخاطبين هم أصحاب النور وهو للمؤمنين والمؤمنات .
و ( انظرونا ) بهمزة وصل مضموما من نظره إذ انتظره مثل نظر إذا أبصر إلا أن نظر بمعنى الانتظار يتعدى إلى المفعول ونظر بمعنى أبصر يتعدى بحرف ( إلى ) قال تعالى ( وانظر إلى العظام كيف ننشزها ) .
الانتظار : التريث بفعل ما أي تريثوا في سيركم حتى نلحق بكم فنستضيء بالنور الذي بين أيديكم وبجانبكم وذلك يقتضي أن الله يأذن للمؤمنين الأولين بالسير إلى الجنة فوجا ويجعل المنافقين الذين كانوا بينهم في المدينة سائرين وراءهم كما ورد في حديث الشفاعة " وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها " والمعنى : أنهم يسيرون في ظلمات فيسأل المنافقون المؤمنين أن ينتظروهم .
A E وقرأ الجمهور ( انظرونا ) بهمزة وصل وضم الظاء وقرأه حمزة وحده بهمزة قطع وكسر الظاء من أنظره إذا أمهله أي أمهلونا حتى نلحق بكم ولا تعجلوا السير فينأى نوركم عنا وهم يحسبون أن بعدهم عنهم من جراء السرعة .
والاقتباس حقيقته : أخذ القبس بفتحتين وهو الجذوة من الحمر . قال أبو علي الفارسي : ومجيء فعلت وافتعلت بمعنى واحد كثير كقولهم : شويت واشتويت وحقرت واحتقرت قلت : وكذلك حفرت واحتفرت فيجوز أن يكون إطلاق تقتبس هنا حقيقة بأن يكونوا ظنوا أن النور الذي كان مع المؤمنين نور شعلة وحسبوا أنهم يستطيعون أن يأخذوا قبسا منه يلقى ذلك في ظنهم لتكون خيبتهم أشد حسرة عليهم .
ويجوز أن يستعار الاقتباس لانتفاع أحد بضوء آخر لأنه يشبه الاقتباس في الانتفاع بالضوء بون علاج فمعنى ( نقتبس من نوركم ) نصب منه ونلتحق به فنستنر به .
ويظهر من إسناد ( قيل ) بصيغة المجهول أن قائله غير المؤمنين المخاطبين وإنما هو من كلام الملائكة السائقين للمنافقين .
وتكون مقالة الملائكة للمنافقين تهكما إذ لا نور وراءهم وإنما أرادوا إطماعهم ثم تخييبهم بضرب السور بينهم وبين المؤمنين لأن الخيبة بعد الطمع اشد حسرة . وهذا استهزاء كان جزاء على استهزائهم بالمؤمنين واستسخارهم بهم فهو من معنى قوله تعالى ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ) .
و ( وراءكم ) : تأكيد لمعنى ( ارجعوا ) إذ الرجوع يستلزم الوراء وهذا كما يقال : رجع القهقري . ويجوز أن يكون ظرفا لفعل ( التمسوا نورا ) أي في المكان الذي خلفكم .
وتقديمه على عامله للاهتمام فيكون فيه معنى الإغراء بالتماس النور هناك وهو أشد في الإطماع لأنه يوهم أن النور يتناول من ذلك المكان الذي صدر منه المؤمنون وبذلك الإيهام لا يكون الكلام كذبا لأنه من المعاريض لا سيما مع احتمال أن يكون ( وراءكم ) تأكيدا لمعنى ( ارجعوا ) .
وضمير ( بينهم ) عائد إلى المؤمنين والمنافقين .
وضرب السور : وضعه يقال : ضرب خيمة قال عبدة بن الطيب : .
إن التي ضربت بيتا مهاجرة ... بكوفة الجند غالت ودها الغول