وجيء باسم الإشارة في قوله ( أولئك أعظم درجة ) دون الضمير لما تؤذن به الإشارة من التنويه والتعظيم وللتنبيه على أن المشار إليهم جديرون بما يذكر بعد اسم الإشارة لأجل ما ذكر قبله من الإخبار ومثله قوله ( أولئك على هدى من ربهم ) بعد قوله ( هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ) الخ .
وقرأ الجمهور ( وكلا وعد الله الحسنى ) بنصب ( كلا ) على أنه مفعول أول مقدم على فعله على طريقة الاشتغال بالضمير المحذوف اختصارا . وقرأ ابن عامر بالرفع على الابتداء وهما وجهان في الاشتغال متساويان .
وهذه الآية أصل في تفاضل أهل الفضل فيما فضلوا فيه وأن الفضل ثابت للذين أسلموا بعد الفتح من أهل مكة وغيرهم . وبئس ما يقوله بعض المؤرخين من عبارات تؤذن بتنقيص من أسلموا بعد الفتح من قريش مثل كلمة ( الطلقاء ) وإنما ذلك من أجل حزازات في النفوس قبلية أو حزبية والله يقول ( ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) .
وجملة ( والله بما تعملون خبير ) تذييل والواو اعتراضية والمعنى : أن الله يعلم أسباب الإنفاق وأوقاته وأعذاره ويعلم أحوال الجهاد ونوايا المجاهدين فيعطي كل عامل على نية عمله .
( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم [ 11 ] ) موقع هذه الجملة موقع التعليل والبيان لجملة ( وكلا وعد الله الحسنى ) .
وما بينهما اعتراض والمعنى : أن مثل المنفق في سبيل الله كمثل من يقرض الله ومثل الله تعالى في جزائه كمثل المستسلف مع من أحسن قرضه وأحسن في دفعه إليه .
A E و ( من ) استفهامية كما هو شأنها إذا دخلت على اسم الإشارة والموصول و ( الذي يقرض ) خبرها و ( ذا ) معترضة لاستحضار حال المقترض بمنزلة الشخص الحاضر القريب .
وعن الفراء : ( ذا ) صلة أي زائدة لمجرد التأكيد مثل ما قاله كثير من النحاة : إن ( ذا ) في ( ماذا ) ملغاة قال الفراء : رأيتها في مصحف عبد الله ( منذا الذي ) والنون موصولة بالذال اه .
والاستفهام مستعمل في معنى التحريض مجازا لأن شأن المحرض على الفعل أن يبحث عمن يفعله ويتطلب تعيينه لينوطه به أو يجازيه عليه .
والقرض الحسن : هو القرض المستكمل محاسن نوعه من كونه عن طيب نفس وبشاشة في وجه المستقرض وخلو عن كل ما يعرض بالمنة أو بتضييق أجل القضاء . والمشبه هنا بالقرض الحسن هو الإنفاق في سبيل الله المنهي عن تركه في قوله ( وما لكم أن لا تنفقوا في سبيل الله ) .
وقرأ الجمهور ( فيضاعفه ) بألف بعد الضاد . وقرأه ابن كثير وابن عامر ويعقوب ( فيضعفه ) بدون ألف وبتشديد العين .
والفاء في جملة ( فيضاعفه له ) فاء السببية لأن المضاعفة مسببة على القرض . وقرأ الجمهور فعل ( يضاعفه ) مرفوعا على اعتباره معطوفا على ( يقرض ) .
والمعنى : التحريض على الإقراض وتحصيل المضاعفة لأن الإقراض سبب المضاعفة فالعمل لحصول الإقراض كأنه عمل لحصول المضاعفة .
أو على اعتبار مبتدأ محذوف لتكون الجملة اسمية في التقدير فيقع الخبر الفعلي بعد المبتدأ مفيدا تقوية الخبر وتأكيد حصوله واعتبار هذه الجملة جوابا ل ( من ) الموصولة بإشراب الموصول معنى الشرط وهو إشراب كثير في القرآن .
وقرأه حفص عن عاصم وأبن عامر ويعقوب ( كل على قراءته ) بالنصب على جواب الاستفهام .
ومعنى ( وله أجر كريم ) : أن له أنفس جنس الأجور لأن الكريم في كل شيء هو النفيس كما تقدم في قوله تعالى ( إني ألقي إلي كتاب كريم ) في سورة النمل . وجعل الأجر الكريم مقابل القرض الحسن فقوبل بهذا موصوف وصفته بمثلها . والمضاعفة : مماثلة الأقدار فالمعنى : يعطيه مثلي قرضه .
والمراد هنا مضاعفته أضعافا كثيرة كما قال ( مثل الذين ينفقونأموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ) الآية في سورة البقرة .
وقال ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) وضمير النصب في ( يضاعفه ) عائد إلى القرض الحسن والكلام على حذف مضاف تقديره : فيضاعف جزاءه له . لأن القرض هنا تمثيل بحال السلف المتعارف بين الناس فيكون تضعيفه مثل تضعيف مال السلف وذلك قبل تحريم الربا