وأتبع هذا الاسم بصفات ربانية تدل على كمال الله تعالى وتنزهه عن النقص كما يأتي بيانه فكانت هذه الفاتحة براعة استهلال لهذه السورة ولذلك أتبع اسمه العلم بعشر صفات هي جامعة لصفات الكمال وهي : العزيز الحكيم له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير وهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم .
وصيغ فعل التسبيح بصيغة الماضي للدلالة على أن تنزيهه تعالى أمر مقرر أمر الله به عباده من قبل وألهمه الناس وأودع دلائله في أحوال ما لا اختيار له كما دل عليه قوله تعالى ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ) وقوله ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) .
ففي قوله ( سبح ) تعريض بالمشركين الذين أهملوا أهم التسبيح وهو تسبيحه عن الشريك والند .
A E واللام في قوله ( لله ) لام التبيين . وفائدتها زيادة بيان ارتباط المعمول بعامله لأن فعل التسبيح متعد بنفسه لا يحتاج إلى التعدية بحرف قال تعالى ( فاسجد له وسبحه ) فاللام هنا نظيره اللام في قولهم : شكرت لك ونصحت لك وقوله تعالى ( ونقدس لك ) وقولهم سقيا لك ورعيا لك وأصله : سقيك ورعيك .
و ( ما في السماوات والأرض ) يعم الموجودات كلها فإن ( ما ) اسم موصول يعم العقلاء وغيرهم أو هو خاص بغير العقلاء فجرى هنا على التغليب وكلها دال على تنزيه الله تعالى عن الشريك فمنها دلالة بالقول كتسبيح الأنبياء والمؤمنين ومنها دلالة بالفعل كتسبيح الملائكة ومنها دلالة بشهادة الحال كما تنبئ به أحوال الموجودات من الافتقار إلى الصانع المنفرد بالتدبير فإن جعل عموم ( ما في السماوات والأرض ) مخصوصا بمن يتأنى منهم النطق بالتسبيح وهم العقلاء كان إطلاق التسبيح على تسبيحهم حقيقة .
وإن حمل العموم على ظاهره لزم تأويل فعل ( سبح ) بما يشمل الحقيقة والمجاز فيكون مستعملا في حقيقته وجازه .
والعزيز : الذي لا يغلب وهذا الوصف ينفي وجود الشريك في الإلهية .
و ( الحكيم ) الموصوف بالحكمة وهي وضع الأفعال حيث يليق بها وهي أيضا العلم الذي لا يخطئ ولا يتخلف ولا يحول دون تعلقه بالمعلومات حائل وتقدما في سورة البقرة . وهذا الوصف يثبت أن أفعاله تعالى جارية على تهيئة المخلوقات لما به إصابة ما خلقت لأجله فلذلك عززها الله بإرشاده بواسطة الشرائع .
( له ملك السماوات والأرض يحيي ويمت وهو على كل شيء قدير [ 2 ] ) استئناف ابتدائي بذكر صفة عظيمة من صفات الله التي متعلقها أحوال الكائنات في السماوات والأرض وخاصة أهل الإدراك منهم .
ومضمون هذه الجملة يؤذن بتعليل تسبيح الله تعالى لأن من له ملك العوالم العليا والعالم الدنيوي حقيق بأن يعرف الناس صفات كماله .
وأفاد تعريف المسند قصر المسند على المسند إليه وهو قصر ادعائي لعدم الاعتداء بملك غيره في الأرض إذ هو ملك ناقص فإن الملوك مفترقون إلى من يدفع عنهم العوادي بالأحلاف والجند وإلى من يدبر لهم نظام المملكة من وزراء وقواد وإلى أخذ الجباية والجزية ونحو ذلك أو هو قصر حقيقي إذ اعتبرت إضافة ( ملك ) إلى مجموع ( السماوات والأرض ) فإنه لا ملك لمالك على الأرض كلها بله السماوات معها .
وهذا معنى صفة تعالى ( الملك ) وتقدم في آخر سورة آل عمران .
وجملة ( يحيي ويميت ) بدل اشتمال من مضمون ( له ملك السماوات والأرض ) فإن الإحياء والإماتة ما يشتمل عليه معنى ملك السماوات والأرض لأنها من أحوال ما عليها وتخصيص هذين بالذكر للاهتمام بهما لدلالتهما على دقيق الحكمة في التصرف في السماء والأرض ولظهور هاذين الفعلين لا يستطيع المخلوق ادعاء أن لهم عملا فيهما وللتذكير بدليل مكان البعث الذي جحده المشركون وللتعريض بإبطال زعمهم إلهية أصنامهم كما قال تعالى ( ولا يملكون موتا ولا حيا ولا نشورا ) ومن هذين الفعلين جاء وصفة تعالى بصفة ( المحيي والمميت ) .
وتقدم ذكر الإحياء والإماتة عند قوله تعالى ( وكنتم أمواتا فأحياكم ) في أول سورة البقرة