ومما يلتحق بهذه المسألة مسألة قراءة غير المتطهر القرآن وليست مما شملته الآية ظاهرا ولكن لما كان النهي عن أن يمس المصحف غير المتطهر لعله أن المس ملابسة لمكتوب القرآن فقد يكون النهي عن تلاوة ألفاظ القرآن حاصلا بمفهوم الموافقة المساوي أو الأحرى إذ النطق ملابسة كملابسة إمساك المكتوب منه أو أشد وأحسب أن ذلك مثار اختلافهم في تلاوة القرآن لغير المتطهر . وإجماع العلماء على أن غير المتوضئ يقرأ القرآن مع اختلافهم في مس المصحف لغير المتوضئ يشعر بأن مس المصحف في نظرهم أشد ملابسة من النطق بآيات القرآن .
قال مالك وأبو حنيفة والشافعي : لا يجوز للجنب قراءة القرآن ويجوز لغير المتوضئ . وقلت : شاع بين المسلمين في عهد الصحابة العمل بأن لا يتلو القرآن من كان جنبا ولم يؤثر عنهم إفتاء بذلك . وقال أحمد وداود : تجوز قراءة القرآن للجنب . ورخص المالك في قراءة اليسير منه كالآية والآيتين ولم يشترط أحد من أهل العلم الضوء على قارئ القرآن .
واختلف في قراءته للحائض والنفساء . وعن مالك في ذلك روايتان وأحسب أن رواية الجواز مراعى فيها أن انتفاء انتقاض طهارتهما تطول مدته فكان ذلك سببا في الترخيص .
( أفبهذا الحديث أنتم مدهنون [ 81 ] ) الفاء تفريع على ما سيق لأجله الكلام الذي قبلها في غرضه من التنويه بشن القرآن وهو الذي بحذو الفاء أو من إثبات البعث والجزاء وهو الذي حوى معظم السورة وكان التنويه بالقرآن من مسبباته .
وأطبق المفسرون عدا الفخر على أن اسم الإشارة وبيانه بقوله ( فبهذا الحديث ) مشير إلى القرآن لمناسبة الانتقال من التنويه بشأنه إلى الإنكار على المكذبين به . فالتفريع على قوله ( إنه لقرآن كريم ) الآية .
والمراد ب ( الحديث ) إخبار الله تعالى بالقرآن وإرادة القرآن من مثل قوله ( أفبهذا الحديث ) واردة في القرآن أي في قوله في سورة القلم ( فذرني ومن يكذب بهذا الحديث ) وقوله في سورة النجم ( أفمن هذا الحديث تعجبون ) .
ويكون العدول عن الإضمار إلى اسم الإشارة بقوله ( أفبهذا الحديث ) دون أن يقول : أفبه أنتم مدهنون إخراجا للكلام على خلاف مقتضى الظاهر لتحصل باسم الإشارة زيادة التنويه بالقرآن .
وأما الفخر فجعل الإشارة من قوله ( أفبهذا الحديث ) إشارة إلى ما تحدثوا به من قبل في قوله تعالى ( وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما إنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون ) فإن الله رد عليهم ذلك بقوله ( قل إن الأولين والآخرين ) الآية . وبين أن ذلك كله إخبار من الله بقوله ( إنه لقرآن كريم ) ثم عاد إلى كلامهم فقال : أفبهذا الحديث الذي تتحدثون به أنتم مدهنون لأصحابكم اه أي على معنى قوله تعالى ( وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ) .
وإنه لكلام جيد ولو جعل المراد من ( هذا الحديث ) جميع ما تقدم من أول السورة أصلا وتفريعا أي من هذا الكلام الذي قرع أسماعكم لكان أجود . وإطلاق الحديث على خبر البعث أوضح لأن الحديث يراد به الخبر الذي صار حديثا للقوم .
والتعرف في ( الحديث ) على كلا التفسيرين تعريف العهد .
A E والمدهن : الذي يظهر خلاف ما يبطن يقال : أدهن ويقال : داهن وفسر أيضا بالتهاون وعدم الأخذ بالحزم وفسر بالتكذيب .
والاستفهام على كل التفاسير مستعمل في التوبيخ أي كلامكم لا ينبغي إلا أن يكون مداهنة كما يقال لأحد قال كلاما باطلا : أتهزأ أي قد نهض برهان صدق القرآن بحيث لا يكذب به مكذب إلا وهو لا يعتقد أنه كذب لأن حصول العلم بما قام عليه البرهان لا يستطيع صاحبه دفعه عن نفسه فليس إصراركم على التكذيب بعد ذلك إلا مداهنة لقومكم تخشون إن صدقتم بهذا الحديث أن تزول رئاستكم فيكون في معنى قوله تعالى ( فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) .
وعلى تفسير ( مدهنون ) بمعنى إلا لأنه فالمعنى : لا تتراخوا في هذا الحديث وتدبروه وخذوا بالفور في إتباعه .
وإن فسر ( مدهنون ) بمعنى : تكذبون فالمعنى واضح .
وتقديم المجرور للاهتمام .
وصوغ الجملة الاسمية في ( أنتم مدهنون ) لأن المقرر إدهان ثابت مستمر .
( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون [ 82 ] )