ويجوز أن يكون من كذب المتعدي مثل الذي في قولهم كذبت فلانا نفسه أي حدثته نفسه أي رأيه بحديث كذب وذلك أن اعتقاد المنكر للبعث اعتقاد سوله له عقله القاصر فكأن نفسه حدثته حديثا كذبته به ويقولون : كذبت فلانا نفسه في الخطب العظيم إذا أقدم عليه فأخفق كأن نفسه لما شجعته على اقتحامه قد قالت له : إنك تطيقه فتعرض له ولا تبال به فإنك مذلله فإذا تبين له عجزه فكأن نفسه أخبرته بما لا يكون فقد كذبته كما يقال : كذبته عينه إذا تخيل مرئيا ولم يكن .
والمعنى : إذا وقعت القيامة تحقق منكروها ذلك فأقلعوا عن اعتقادهم أنها لا تقع وعلموا أنهم ضلوا في استدلالهم وهذا وعيد بتحذير المنكرين للقيامة من خزي الخيبة وسفاهة الرأي بين أهل الحشر .
وإطلاق صفة الكذب في جميع هذا استعارة بتشبيه السبب للفعل غير المثمر بالمخبر بحديث كذب أو تشبيه التسبب بالقول قال أبو علي الفارسي : الكذب ضرب من القول فكما جاز أن يتسع في القول في غير نطق نحو قول أبي النجم : .
" قد قالت الأنساع للبطن الحق جاز في الكذب أن يجعل في غير نطق نحو : .
" بأن كذب القراطف والقروف واللام في ( لوقعتها ) لام التوقيت نحو ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) وقوله تعالى ( فطلقوهن لعدتهن ) . وقولهم : كتبته لكذا من شهر كذا وهي بمعنى " عند " وأصلها لام الاختصاص شاع استعمالها في اختصاص الموقت بوقته كقوله تعالى ( ولما جاء موسى لميقاتنا ) . وهو توسع في معنى الاختصاص بحيث تنسوي أصل المعنى . وفي الحديث سئل رسول الله A " أي الأعمال أفضل فقال : الصلاة لوقتها " . وهذا الاستعمال غير الاستعمال الذي في قوله تعالى ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) .
( خافضة رافعة [ 3 ] ) A E خبران لمبتدأ محذوف ضمير ( الواقعة ) أي هي خافضة رافعة أي يحصل عندها خفض أقوام كانوا مرتفعين ورفع أقوام كانوا منخفضين وذلك بخفض الجبابرة والمفسدين الذين كانوا في الدنيا في رفعة وسيادة وبرفع الصالحين الذين كانوا في الدنيا لا يعبأون بأكثرهم وهي أيضا خافضة جهات كانت مرتفعة كالجبال والصوامع رافعة ما كان منخفضا بسبب الانقلاب بالرجات الأرضية .
وإسناد الخفض والرفع إلى الواقعة مجاز عقلي إذ هي وقت ظهور ذلك . وفي قوله ( خافضة رافعة ) محسن الطباق مع الإعراب بثبوت الضدين لشيء واحد .
( إذا رجت الأرض رجا [ 4 ] وبست الجبال بسا [ 5 ] فكانت هباء منبثا [ 6 ] وكنتم أزواجا ثلاثة [ 7 ] ) ( إذا رججت الأرض ) بدل من جملة ( إذا وقعت الواقعة ) وهو بدل اشتمال .
والرج : الاضطراب والتحرك الشديد فمعنى ( رجت ) رجها راج وهو ما يطرأ فيها من الزلازل والخسف ونحو ذلك .
وتأكيده بالمصدر للدلالة على تحققه وليأت التنوين المشعر بالتعظيم والتهويل .
والبس يطلق بمعنى التفتت وهو تفرق الأجزاء المجموعة ومنه البسيسة من أسماء السويق أي فتتت الجبال ونسفت فيكون كقوله تعالى ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا ) .
ويطلق البس أيضا على السوق للماشية يقال : بس الغنم إذا ساقها . وفي الحديث " فيأتي قوم يبسن بأموالهم وأهليهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ) فهو في معنى قوله تعالى ( ويوم نسير الجبال ) وقوله ( وسيرت الجبال ) وتأكيده بقوله ( بسا ) كالتأكيد في قوله ( رجا ) لإفادة التعظيم بالتنوين .
وتفريع ( فكانت هباء منبثا ) على ( وبست الجبال ) لائق بمعنى البس لأن الجبال إذا سيرت فإنما تسير تسييرا يفتتها ويفرقها أي تسيير بعثرة وارتطام .
والهباء : ما يلوح في خيوط شعاع الشمس من دقيق الغبار وتقدم عند قوله تعالى ( فجعلناه هباء منثورا ) في سورة الفرقان .
والمنبث : اسم فاعل انبث مطاوع بثه إذا فرقه . واختير هذا المطاوع لمناسبته مع قوله ( وبست الجبال ) في أن المبني للنائب معناه كالمطاوعة وقوله ( فكانت هباء منبثا ) تشبيه بليغ أي فكانت كالهباء المنبث .
والخطاب في ( وكنتم أزواجا ثلاثة ) للناس كلهم وهذا تخلص للمقصود من السورة وهو الموعظة .
والأزواج : الأصناف . والزوج يطلق على الصنف والنوع كقوله تعالى ( فيها من كل فاكهة زوجان ) ووجه ذلك أن الصنف إذا ذكر يذكر معه نظيره غالبا فيكون زوجا