وهكذا سميت في المصاحب وكتب السنة فلا يعرف لها اسم غير هذا .
وهي مكية قال أبن عطية : " باجتماع من يعتد به من المفسرين . وقيل فيها آيات مدنية أي نزلت في السفر وهذا كله غير ثابت " اه . وقال القرطبي : عن قتادة وأبن عباس استثناء قوله تعالى ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) نزلت بالمدينة .
وقال الكلبي : إلا أربع آيات : اثنتان نزلتا في سفر النبي A إلى مكة وهما ( أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) واثنتان نزلتا في سفره إلى المدينة وهما ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) وأخرج أبن أبي حاتم عن أبن مسعود أنها نزلت في غزوة تبوك .
وهي سورة السادسة والأربعون في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد نزلت بعد سورة طه وقبل سورة الشعراء .
وقد عد أهل المدينة ومكة والشام آيها تسعا وتسعين وعدها أهل البصرة سبعا وتسعين وأهل الكوفة ستا وتسعين .
وهذه السورة جامعة للتذكير قال مسروق : " من أراد أن يعلم نبأ الأولين والآخرين ونبأ أهل الجنة ونبأ أهل النار ونبأ أهل الدنيا ونبأ أهل الآخرة فليقرأ سورة الواقعة " اه .
أغراض هذه السورة .
التذكير بيوم القيامة وتحقيق وقوعه .
ووصف ما يعرف وهذا العالم الأرضي عند ساعة القيامة .
ثم صفة أهل الجنة وبعض نعيمهم .
وصفة أهل النار وما هم فيه من العذاب وأن ذلك لتكذيبهم بالبعث . وإثبات الحشر والجزاء والاستدلال على إمكان الخلق الثاني بما أبدعه اللام من الموجودات بعد أن لم تكن .
والاستدلال بدلائل قدرة الله تعالى .
والاستدلال بنزع الله الأرواح من الأجساد والناس كارهون لا يستطيع أحد منعها من الخروج على أن الذي قدر على نزعها بدون مدافع قادر على إرجاعها متى أراد أن يميتهم .
A E وتأكيد أن القرآن منزل من عند الله وأنه نعمة أنعم بها عليهم فلم يشكروها وكذبوا بما فيه .
( إذا وقعت الواقعة [ 1 ] ليس لوقعتها كاذبة [ 2 ] ) افتتاح السورة بالظرف المتضمن الشرط افتتاح بديع لأنه يسترعي الألباب لترقب ما بعد هذا الشرط الزماني مع ما في الاسم المسند إليه من التهويل بتوقع حدث عظيم يحدث .
و ( إذا ) ظرف زمان وهو متعلق بالكون المقدر في قوله ( في جنات النعيم ) الخ وقوله ( في سدر مخضود ) الخ وقوله ( في سموم وحميم ) الخ . وضمن ( إذا ) معنى الشرط .
وجملة ( ليس لوقعتها كاذبة ) استئناف بياني ناشىء عن قوله ( إذ وقعت الواقعة ) الخ وهو اعتراض بين جملة ( إذا وقعت الواقعة ) وبين جملة ( فأصحاب الميمنة ) الخ .
والجواب قوله ( فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ) فيفيد جوابا للشرط ويفيد تفصيل جملة ( وكنتم أزواجا ثلاثة ) وتكون الفاء مستعملة في معنيين : ربط الجواب والتفريع وتكون جملة ( ليس لوقعتها كاذبة ) وما بعده اعتراضا .
والواقعة أصلها : الحادثة التي وقعت أي حصلت يقال : وقع أمر أي حصل كما يقال : صدق الخبر مطابقته للواقع أي كون المعنى المفهوم منه موافقا لمسمى ذلك المعنى في الوجود الحاصل أو التوقع على حسب ذلك المعنى ومن ذلك حاثة الحرب يقال : واقعة ذي قار وواقعة القادسية .
فراعوا في تأنيثها معنى الحادثة أو الكائنة أو الساعة وهو تأنيث كثير في اللغة جار على ألسنة العرب لا يكونون راعوا فيه إلا معنى الحادثة أو الساعة أو نحو ذلك وقريب منه قولهم : دارت عليه الدائرة قال تعالى ( يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ) وقال ( عليهم دائرة السوء ) .
والمراد بالواقعة هنا القيامة فجعل هذا الوصف علما لها بالغلبة في اصطلاح القرآن قال تعالى ( فيومئذ وقعت الواقعة ) كما سميت الصاخة والطامة والآزفة أي الساعة الواقعة وبهذا الاعتبار صار في قوله ( إذا وقعت الواقعة ) محسن التجنيس .
و ( الواقعة ) : الموصوفة بالوقوع وهو الحدوث .
و ( كاذبة ) يجوز أن يكون اسم فاعل من كذب المجرد جرى على التأنيث للدلالة على أنه وصف لمحذوف مؤنث اللفظ . وتقديره هنا نفس أي تنتفي كل نفس كاذبة فيجوز أن يكون كذب اللازم إذا قال خلاف ما في نفس الأمر وذلك أن منكري القيامة يقولون : لا تقع القيامة فيكذبون في ذلك فإذا وقعت الواقعة آمنت النفوس كلها بوقوعها فلم تبق نفس تكذب أي في شأنها أو في الإخبار عنها . وذلك التقدير كله مما يدل عليه المقام