والإرسال مستعار لجعلها آيه لصالح . وقد عرف خلق خوارق العادات لتأييد الرسل باسم الإرسال في القرآن كما قال تعالى ( وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ) فشبهت الناقة بشاهد أرسله الله لتأييد رسوله . وهذا مؤذن بأن في هذه الناقة معجزة وقد سماها الله آية في قوله حكاية عنهم وعن صالح ( فأتنا بآية إذ كنت من الصادقين قال هذه ناقة ) الخ .
و ( فتنة لهم ) حال مقدر أي تفتنهم فتنة هي مكابرتهم في دلالتها على صدق رسولهم وتقدير معنى الكلام : إنا مرسلوا الناقة آية لك وفتنة لهم .
وضمير ( لهم ) عائد إلى المكذبين منهم بقرينه إسناد التكذيب كما تقدم . واسم الفاعل من قوله ( مرسلوا الناقة ) مستعمل في الاستقبال مجازا بقرينه قوله ( فارتقبهم واصطبر ) فعدل على أن يقال : سنرسل إلى صيغة اسم الفاعل الحقيقية في الحال لتقريب زمن الاستقبال من زمن الحال .
والارتقاب : الانتظار ارتقب مثل : رقب وهو أبلغ دلالة من رقب لزيادة المبني فيه .
وعدي الارتقاب إلى ضميرهم على تقدير مضاف يقتضيه الكلام لأنه لا يرتقب ذواتهم وإنما يرتقب أحوالا تحصل لهم . وهذه طريقة إسناد أو تعليق المشتقات التي معانيها لا تسند إلى الذوات فتكون على تقدير مضاف اختصارا في الكلام اعتمادا على ظهور المعنى . وذلك مثل إضافة التحريم والتحليل إلى الذوات إلى الذوات في قوله تعالى ( حرمت عليكم الميتة ) . والمعنى : فأرتقب ما يحصل لهم من الفتنة عند ظهور الناقة .
والاصطبار : الصبر القوي وهو كالارتقاب أيضا أقوى دلالة من الصبر أي أصبر صبرا لا يعتريه ملل ولا ضجر أي أصبر على تكذيبهم ولا تأيس من النصر عليهم وحذف متعلق ( أصطبر ) ليعم كل حال تستدعي الضجر . والتقدير : وأصطبر على أذاهم وعلى ما تجده في نفسك من أنتظار النصر .
وجملة ( ونبئهم أن الماء قسمة بينهم ) معطوفة على جملة ( إنا مرسلوا الناقة ) باعتبار إن الوعد بخلق آية الناقة يقتضي كلاما محذوفا تقديره : فأرسلنا لهم الناقة وقلنا نبئهم إن الماء قسمة بينهم على طريقة العطف والحذف في قوله ( فأوحينا إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر فانفلق ) وإن كان حرف العطف مختلفا ومثل هذا الحذف كثير في إيجاز القرآن .
والتعريف في ( الماء ) للعهد أي ماء القرية الذي يستقون منه فإن لكل محلة ينزلها قوم ماءا لسقياهم وقال تعالى ( ولما ورد ماء مدين ) .
وأخبر عن الماء بأنه ( قسمة ) . والمراد مقسوم فهو من الإخبار للمصدر للتأكيد والمبالغة .
وضمير ( بينهم ) عائد إلى المعلوم من المقام بعد ذكر الماء إذ من المتعارف أن الماء يستقي من أهل القرية لأنفسهم وماشيتهم ولما ذكرت الناقة علم أنها لا تستغني عن الشرب فغلب ضمير العقلاء على ضمير الناقة الواحدة وإن لم يكن للناقة مالك خاص أمر الله لها بنوبة في الماء . وقد جاء في آية سورة الشعراء ( قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ) وهذا مبدأ الفتنة فقد روي أن الناقة كانت في يوم شربها تشرب ماء البئر كله فشحوا بذلك وأضمروا حلدها عن الماء فأبلغهم صالح أن الله ينهاهم عن أن يمسوها بسوء .
والمحتضر بفتح الضاد اسم مفعول من الحضور وهو ضد الغيبة . والمعنى : محتضر عنده فحذف المتعلق لحضوره . وهذا من جملة ما أمر رسولهم بأن ينبئهم به أي لا يحضر القوم في يوم شرب الناقة وهي بإلهام الله لا تحضر في أيام شرب القوم . والشرب بكسر الشين : نوبة الاستقاء من الماء . فنادوا صاحبهم الذي أغروه بقتلها وهو قدار " بضم القاف وتخفيف الدال " بن سالف . ويعرف عند العرب بأحمر قال زهير : .
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم يريد أحمر ثمود لأن ثمودا إخوة عاد " ولم أقف على سبب وصفه بأحمر وأحسب أنه لبياض وجهه " . وفي الحديث " بعثت إلى الأحمر والأسود " وكان قدار من سادتهم وأهل العزة منهم وشبه النبي A بأبي زمعة " يعني الأسود بن المطلب بن أسد " في قوله " فانتداب لها رجل ذو منعة في قومه كأبي زمعة " " أي فأجاب نداءهم فرماها بنبل فقتلها " .
وعبر بصاحبهم للإشارة إلى أنهم راضون بفعله إذ هم مصاحبون له وممالئون .
ونداؤهم إياه نداء الإغراء بالناقة وإنما نادوه لأنه مشتهر بالإقدام وقلة المبالاة بعزته .
A E