قد كنت أغنى الناس شخصا واحدا ... سكن المدينة من مزارع فوم يريد لا يناظرني في ذلك أحد .
وجملة ( إنا إذا لفي ضلال سعير ) تعليل لإنكار أن يتبعوا بشرا منهم تقديره : أنتبعك وأنت بشر واحد منا .
و ( إذن ) حرف جواب هي رابطة الجملة بالتي قبلها . والضلال : عدم الاهتداء إلى الطريق أرادوا : إنا إذن مخطئون في أمرنا .
والسعر : الجنون يقال بضم العين وسكونها .
وفسر أبن عباس السعر بالعذاب على أنه جمع سعير . وجملة ( أألقي الذكر عليه من بيننا ) تعليل للاستفهام الإنكاري .
و ( ألقي ) حقيقته : رمي من اليد إلى الأرض وهو هنا مستعار لإنزال الذكر من السماء قال تعالى ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) .
و ( في ) للظرفية المجازية جعلوا تلبسهم بالضلال والجنون كتلبس المظروف بالظرف .
و ( من بيننا ) حال من ضمير ( عليه ) أي كيف يلقي عليه الذكر دونا يريدون أن فيهم من هو أحق منه بأن يوحي إليه حسب مدارك عقول الجهلة الذين يقيسون الأمر بمقاييس قصور أفهامهم ويحسبون أن أسباب الأثرة في العادات هي أسبابها في الحقائق .
وحرف ( من ) في قوله ( من بيننا ) بمعنى الفصل كما سماه ابن مالك وإن أباه ابن هشام أي مفصولا من بيننا كقوله تعالى ( والله يعلم المفسد من المصلح ) .
و ( بل هو كذاب أشر ) إضراب عن ما أنكروه بقولهم ( أألقي عليه الذكر من بيننا ) أي لم ينزل الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب فيما ادعاه بطر متكبر .
و ( الأشر ) بكسر الشين وتخفيف الراء : أسم فاعل أشر إذ فرح وبطر والمعنى : هو معجب بنفسه مدع ما ليس فيه .
( سيعلمون غدا من الكذاب الأشر [ 26 ] ) مقول قول محذوف دل عليه السياق تقديره : قلنا لنذيرهم الذي دل عليه قوله ( كذبت ثمود بالنذر ) فإن النذر تقتضي نذيرا بها وهو المناسب لقوله بعده ( وارتقبهم واصطبر ) وذلك مبني على أن قوله آنفا ( فقالوا أبشر منا واحد نتبعه ) كلام أجابوا به نذارة صالح إياهم المقدرة من قوله تعالى ( كذبت ثمود بالنذر ) وبذلك أنتظم الكلام أتم انتظام .
وقرأ الجمهور ( سيعلمون ) بياء الغيبة . وقرأ ابن عامر وحمزة ( ستعلمون ) بتاء الخطاب وهي تحتمل أن يكون هذا حكاية كلام من الله لصالح على تقدير : قلنا له : قل لهم ففيه حذف قول . ويحتمل أن يكون خطابا من الله لهم بتقدير : قلنا لهم ستعلمون . ويحتمل أن يكون خطابا للمشركين على جعل الجملة معترضة .
والمراد من قوله ( غدا ) الزمن المستقبل القريب كقولهم في المثل : إن مع اليوم غدا أي إن مع الزمن الحاضر زمنا مستقبلا . يقال في تسلية النفس من ظلم ظالم ونحوه وقال الطرماح : .
وقبل غد يا ويح قلبي من غد ... إذ راح أصحابي ولست برائح يريد يوم موته . والمراد به في الآية يوم نزول عذابهم المستقرب .
وتبيينه في قوله ( إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم ) الخ أي حين يرون المعجزة وتلوح لهم بوارق العذاب يعلمون أنهم الكذابون الأشرون لا صالح . وعلى الوجه الثاني في ضمير ( سيعلمون ) يكون الغد مرادا به : يوم انتصار المسلمين في بدر ويوم فت مكة أي سيعلمون من الكذاب المماثل للكذاب في قصة ثمود .
( إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر [ 27 ] ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر [ 28 ] فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر [ 29 ] ) هذه الجملة بيان لجملة ( سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ) باعتبار ما تضمنه الجملة المبينة ( بفتح الياء ) من الوعيد وتقريب زمانه وإن فيه تصديق الرسول الذي كذبوه .
وضمير ( لهم ) جار على مقتضى الظاهر على قراءة الجمهور ( سيعلمون ) بياء الغائبة وإما على قراءة ابن عامر وحمزة ( ستعلمون ) بتاء الخطاب فضمير ( لهم ) التفات .
وإرسال الناقة إشارة إلى قصة معجزة صالح أنه أخرج لهم ناقة من صخرة وكانت تلك المعجزة مقدمة الأسباب التي عجل لهم العذاب لأجلها فذكر هذه القصة في جملة البيان توطئة وتمهيد .
A E