وعن مجاهد وقتادة والحسن : أقنى : أخدم, فيكون مشتقا من القن وهو العبد أو المولود في الرق فيكون زيادة على الإغناء . وقيل : أقنى : أعطى القنية . وهذا زيادة في الغنى . وعن ابن عباس : أقنى : أرضى, أي أرضى الذي أغناه بما أعطاه, أي أغناه حتى أرضاه فيكون زيادة في الامتنان .
واإتيان بضمير الفصل لقصر صفة الإغناء والإقناء عليه تعالى دون غيره وهو قصر ادعائي لمقابلة ذهول الناس عن شكر نعمة الله تعالى بإسنادهم الأرزاق لوسائله العادية, مع عدم التنبه إلى أن الله أوجد مواد الإرزاق وأسبابها وصرف موانعها, وهذا نظير ما تقدم من القصر في قوله تعالى ( الحمد لله رب العالمين ) ز وموقع جملة ( وأنه هو أغنى وأقنى ) كموقع جملة ( وأن سعيه سوف يرى ) .
( وأنه هو رب الشعرى [ 49 ] ) فهذه الجملة لا يجوز اعتبارها معطوفة على جملة ( أن لا تزروا وازرة وزر أخرى ) إذ لا تصح لأن تكون مما في صحف موسى وإبراهيم لأن الشعرى لم تعبد في زمن إبراهيم ولا في زمن موسى عليهما السلام فيتعين أ تكون معطوفة على ( ما ) الموصولة من قوله ( بما في صحف موسى وإبراهيم ) الخ .
الشعرى : اسم نجم من نجوم برج الجوزاء شديد الضياء ويسمى : كلب الجبار, لأن برج الجوزاء يسمى الجبار عند العرب أيضا, وهو من البروج الربيعية, أي التي تكون مدة حلول الشمس فيها في فصل الربيع .
وسميت الجوزاء لشدة بياضها في سواد الليل تشبيها له بالشاة الجوزاء وهي الشاة السوداء التي وسطها أبيض .
A E وبرج الجوزاء ذو كواكب كثيرة ولكثير منها أسماء خاصة والعرب يتخيلون مجموع نجومها في صورة رجل واقف بيده عصا وعلى وسطه سيف, فلذلك سموه الجبار . وربما تخيلوها صورة امرأة فيطلقون على وسطها اسم المنطقة .
ولم أقف على وجه تسميتها الشعرى, وسميت كلب الجبار تخيلوا الجبار صائدا والشعرى يتبعه كالكلب وربما سموا الشعرى يد الجوزاء, وهو أبهر نجم برج الجوزاء, وتوصف الشعرى باليمانية لأنها إلى جهة اليمن . وتوصف بالعبور " بفتح العين " لأنهم يزعمون أنها زوج كوكب سهيل وأنهما كانتا متصلين وأن سهيلا انحدر نحو اليمن فتبعته الشعرى وعبرت نهر المجرة, فلذلك وصفت بالعبور فعول بمعنى فاعلة, وهو احتراز عن كوكب آخر ليس من كوكب الجوزاء يسمونه الشعرى الغميضاء " بالغين المعجمة والصاد المهملة بصيغة تصغير " وذكروا لتسميته قصة .
والشعرى تسمى المرزم " كمنبر " ويقال : مرزم الجوزاء لأن نؤه يأتي بمطر بارد في فصل الشتاء فاشتق له اسم آلة الرزم وهو شدة البرد " فإنهم كنوا ريح الشمال أم رزم " .
وكان كوكب الشعرى عبدته خزاعة والذي سن رجل من سادة خزاعة يكنى أبا كبشة . واختلف في اسمه ففي تاج العروس عن الكلبي أن اسمه جزء " بجيم وزاي وهمزة " . وعن الدارقطني أنه وجز " بواو وجيم وزاي " بن غالب بن عامر بن الحاررث بن غبشان كذا في التاج, والذي في جمهرة ابن حزم أن الحارث هو غبشان الخزاعي . ومنهم من يقال : أن اسم أبي كبشه عبد الشعرى . ولا أحسب إلا أن هذا وصف غلب عليه بعد أن اتخذ الشعرى معبودا له ولقومه, ولم يعرج ابن حزم في الجمهرة على ذكر أبي كبشة .
والذي عليه الجمهور أن الشعرى لم يعبدها من العرب الا خزاعة . وفي تفسير القرطبي عن السدي أن حمير عبدوا الشعرى .
وكانت قريش تدعو رسول الله A أبا كبشة خيل لمخالفته إياهم في عبادة الأصنام . وكانوا يصفونه بابن أبي كبشة . وقيل لأن أبا كبشة كان من أجداد النبي A من قبل أمه يعرضون أو يموهون على دهمائهم بأنه يدعو إلى عبادة الشعرى يريدون التغطية على الدعوة إلى توحيد الله تعالى فمن ذلك قولهم لما أراهم انشقاق القمر " سحركم ابن أبي كبشة " وقول أبي سفيان للنفر الذين كانوا معه في حضرة هرقل " لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أنه يخاف ملك بني الأصفر " .
قال ابن أبي الأصبع " في هذه الآية من البديع محسن التنكيت وهو أن يقصد المتكلم إلى شيء بالذكر دون غيره مما يسد مسده لأجل نكتة في المذكور ترجح مجيئه فقوله تعالى ( وأنه هو رب الشعرى ) خص الشعرى بالذكر دون غيرها من النجوم لأن العرب كان ظهر فيهم رجل يعرف بأبي كبشة عبد الشعرى ودعا خلقا إلى عبادتها "