قال إمام الحرمين : " الكبائر كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين وبرقة ديانته " .
وعطف الفواحش يقتضي أن المعطوف بها مغاير للكبائر ولكنها مغايرة بالعموم والخصوص الوجهي فالفواحش أخص من الكبائر وهي أقوى إثما .
والفواحش : الفعلات التي يعد الذي فعلها متجاوزا الكبائر مثل الزنى والسرقة وقتل الغيلة وقد تقدم في تفسير ذلك في سورة الأنعام عند قوله تعالى ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) الآية وفي سورة النساء في قوله ( يا وفي إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) .
واستثناء اللمم استثناء منقطع لأن اللمم ليس من كبائر الإثم ولا من الفواحش .
فالاستثناء بمعنى الاستدراك . ووجهه أن ما سمي باللمم ضرب من المعاصي المحذر منها في الدين فقد يظن الناس أن النهي عنها يلحقها بكبائر الإثم فلذلك حق الاستدراك وفائدة هذا الاستدراك عامة وخاصة : أما العمة فلكي لا يعامل المسلمون مرتكب شيء منها معاملة من يرتكب الكبائر وأما الخاصة فرحمة بالمسلمين الذين قد يرتكبونها فلا يفل ارتكابها من نشاط طاعة المسلم ولينصرف اهتمام إلى تجنب الكبائر . فهذا الاستدراك بشارة لهم وليس المعنى أن الله رخص في إتيان اللمم . وقد أخطأ وضاح اليمن في قوله الناشىء عن سوء فهمه في كتاب الله وتطفله في غير صناعته : .
فما نولت حتى تضرعت عندها ... وأنبأتها ما رخص الله في اللمم واللمم : الفعل الحرام الذي هو دون الكبائر والفواحش في تشديد التحريم وهو ما يندر ترك الناس له فيكتفي منهم بعدم الإكثار من ارتكابه . وهذا النوع يسميه علماء الشريعة الصغائر في مقابلة تسمية النوع الآخر .
فمثلوا اللمم في الشهوات المحرمة بالقبلة والغمزة . سمي : اللمم وهو اسم مصدر ألم بالمكان إلماما إذا حل به ولم يطل المكث ومن أبيات الكتاب : .
قريشي منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما وقد قيل إن هذه الآية نزلت في رجل يسمى نبهان التمار كان له دكان يبيع فيه تمرا " أي بالمدينة " فجاءته امرأة تشتري تمرا فقال لها : إن داخل الدكان ما هو خير من هذا فلما دخلت راودها على نفسها فأبت فندم فأتى النبي A وقال : " ما من شيء يصنعه الرجل إلا وقد فعلته " أي غصبا عليها " إلا الجماع " فنزلت هذه الآية أي فتكون هذه الآية مدنية ألحقت بسورة النجم المكية كما تقدم في أول السورة .
والمعنى : أن الله تجاوز له لأجل توبته . ومن المفسرين من فسر اللمم بالهم بالسيئة ولا يفعل فهو إلمام مجازي .
وقوله ( إن ربك واسع المغفرة ) تعليل لاستثناء اللمم من اجتنابهم كبائر الإثم والفواحش شرطا في ثبوت وصف ( الذين أحسنوا ) لهم .
وفي بناء الخبر على جعل المسند إليه ( ربك ) دون الاسم العلم إشعار بأن سعة المغفرة رفق بعباده الصالحين شأن الرب مع مربوبه الحق .
وفي إضافة ( رب ) إلى ضمير النبي A دون ضمير الجماعة إيماء إلى أن هذه العناية بالمحسنين من أمته قد حصلت لهم ببركته .
والواسع : الكثير المغفرة استعيرت السعة لكثرة الشمول لأن المكان الواسع يمكن أن يحتوي على العدد الكثير ممن يحل فيه قال تعالى ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ) وتقدم في سورة غافر .
هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى [ 32 ] ) A E