وجملة ( وهو أعلم بمن اهتدى ) تتميم وفيه وعد للمؤمنين وبشارة للنبي A . والباء في ب ( من ضل ) في ب ( من اهتدى ) لتعدية صفتي ( أعلم ) وهي للملابسة أي هو أشهد علما ملابسا لمن ضل عن سبيله أي ملابسا لحال هذا المقام وأما ذكر المهتدين فتتميم .
( ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى [ 31 ] الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة ) عطف على قوله ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ) الخ فبعد أن ذكر أن لله أمور الدارين بقوله ( فلله الآخرة والأولى ) انتقل إلى أهم ما يجزي في الدارين من أحوال الناس الذين هم أشرف ما على الأرض بمناسبة قوله ( أن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ) المراد به الإشارة إلى الجزاء وهو إثبات لوقوع البعث والجزاء .
فالمقصود الأصلي من هذا الكلام هو قوله ( ما في الأرض ) لأن المهم ما في الأرض إذ هم متعلق الجزاء وإنما ذكر معه ما في السماوات على وجه التتميم للإعلام بإحاطة ملك الله لما احتوت عليه العوالم كلها ونكتة الابتداء بالتتميم دون تأخيره الذي هو مقتضى ظاهر في التتميمات هي الاهتمام بالعالم العلوي لأنه أوسع وأشرف وليكون المقصود وهو قوله ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ) الآية مقترنا بما يناسبه من ذكر ما في الأرض لأن المجزيين هم أهل الأرض فهذه نكتة مخالفة مقتضى الظاهر .
فيجوز أن يتعلق قوله ( ليجزي ) بما في الخبر من معنى الكون المقدر في الجار والمجرور المخبر به عن ( ما في السماوات وما في الأرض ) أي كائن ملكا لله كونا علته أن يجزي الذين أساءوا والذين أحسنوا من أهل الأرض وهم الذين يصدر منهم الإساءة والإحسان فاللام في قوله ( ليجزي ) لام التعليل جعل الجزاء علة لثبوت ملك الله لما في السماوات والأرض .
ومعنى هذا التعليل أن من الحقائق المرتبطة بثبوت ذلك الملك ارتباطا أوليا في التعقل والاعتبار لا في إيجاد فأن ملك الله لما في السماوات وما في الأرض ناشىء عن إيجاد الله تلك المخلوقات والله حين أوجدها عالم إن لها حياتين وإن لها أفعالا حسنة وسيئة في الحياة الدنيا وعالم أنه مجزيها على أعمالها بما يناسبها جزاء خالدا في الحياة الآخرة فلا جرم كان الجزاء غاية لإيجاد على الأرض فاعتبر هو العلة في إيجادهم وهي علة باعثة يحتمل أن يكون معها غيرها لأن العلة الباعثة يكمن تعددها في الحكمة .
ويجوز أن يتعلق بقوله ( أعلم ) من قوله ( هو أعلم بمن ضل عن سبيله ) أي من خصائص علمه الذي لا يعزب عنه شيء أن يكون علمه مرتبا عليه الجزاء .
والباء في قوله ( بما عملوا ) وقوله ( بالحسنى ) لتعديد فعلي ( ليجزي ) و ( يجزي ) فما بعد الباءين في معنى مفعول الفعلين فهما داخلتان على الجزاء وقوله ( بما عملوا ) حين إذ تقديره : بمثل ما عملوا أي جزاء عاملا مماثلا لما عملوا فلذلك جعل بمنزلة عين ما عملوه على طريقة التشبيه البليغ .
وقوله ( بالحسنى ) أي بالمثوبة الحسنى أي بأفضل مما عملوا وفيه إشارة مضاعفة الحسنات كقوله ( من جاء بالحسنة فله خيرا منها ) . والحسنى : صفة لموصوف محذوف يدل عليه ( يجزي ) وهي المثوبة بمعنى الثواب .
وجاء ترتيب التفصيل لجزاء المسيئين والمحسنين على وفق ترتيب إجماله الذي في قوله ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ) على طريقة اللف والنشر المرتب .
A E وقوله ( الذين يجتنبون كبائر الإثم ) الخ صفة للذين أحسنوا أي الذين أحسنوا واجتنبوا كبائر الإثم والفواحش أي فعلوا الحسنات واجتنبوا المنهيات وذلك جامع التقوى . وهذا تنبيه على أن اجتناب ما ذكر يعد من الإحسان لأن الفعل السيئات ينافي وصفهم بالذين احسنوا فانهم إذا آتوا بالحسنات كلها ولم يتركوا السيئات كان فعلهم السيئات غير إحسان ولو تركوا السيئات وتركوا الحسنات كان تركهم الحسنات السيئات .
وقرأ الجمهور ( كبائر الإثم ) بصيغة جمع ( كبيرة ) . وقرأه حمزة والكسائي ( كبير الإثم ) بصيغة الإفراد والتذكير لأن اسم الجنس يستوي فيه المفرد والجمع .
والمراد بكبائر الإثم : الآثام الكبيرة فيما شرع الله وهي ما شدد دين التحذير منه أو ذكر وعيدا بالعذاب أو وصف على فاعله حدا