والمعنى : أن يقع ذلك في المستقبل يقول سحاب وهذا لا يقتضي أنه يقع لأن أداة الشرط إنما تقتضي تعليق وقوع جوابها على وقوع فعلها لو وقع . وقع ( سحاب مركوم ) خبر عن مبتدأ محذوف وتقديره : هو سحاب وهذا سحاب .
والمقصود : أنهم يقولون ذلك عنادا مع تحققهم أنه ليس سحابا .
ولكون المقصود أن العناد شيمتهم فرع عليه أن أمر الله رسوله A بأن يتركهم أي يترك عرض الآيات عليهم أي أن لا يسأل الله إظهار ما اقترحوه من الآيات لأنهم لا يقترحون ذلك طلبا للحجة ولكنهم يكابرون قال تعالى ( إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) .
وليس المراد ترك دعوتهم وعرض القرآن عليهم .
ويجوز أن يكون الأمر في قوله ( فذرهم ) مستعملا في تهديديهم لأنهم يسمعونه حتى يقرأ عليهم القرآن كما يقال للذي لا يرعوي عن غيه : دعه فإنه لا يقلع .
وأفادت الغاية أنه يتركهم إلى الأبد لأنهم بعد أن يصعقوا لا تعاد محاجتهم بالأدلة والآيات .
وقرأ الجمهور ( يلاقوا ) . وقرأه أبو جعفر ( يلقوا ) بدون ألف بعد اللام .
واليوم الذي فيه يصعقون : هو يوم البعث الذي يصعق عنده من في السماوات ومن في الأرض ) .
وإضافة اليوم إلى ضميرهم لأنهم اشتهروا بإنكاره وعرفوا بالذين لا يؤمنون بالآخرة . وذا نظير النسب في قول أهل أصول الدين : فلان قدري يريدون أنه لا يؤمن بالقدر . فالمعنى بنسبته إلى القدر أنه يخوض في شأنه أو لأنه اليوم الذي أوعدوه فالإضافة لأدنى ملابسة .
ونظيره قوله تعالى ( وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) .
والصعق : الإغماء من خوف أو هلع قال تعلى ( وخر موسى صعقا ) وأصله مشتق من الصاعقة لأن المصاب بها يغمى عليه أو يموت يقال : صعق بفتح فكسر وصعق بضم وكسر .
وقرأه الجمهور ( يصعقون ) بفتح المثناة التحتية وقرأه ابن عامر وعاصم بضم المثناة .
وذلك هو يوم الحشر قال تعالى ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) وملاقاتهم لليوم مستعارة لوقوعه شبه اليوم وهو الزمان بشخص غائب على طريقة المكنية وإثبات الملاقاة إليه تخييل . والملاقاة مستعارة أيضا للحلول فيه والإتيان بالموصول للتنبيه على خطئهم في إنكاره .
و ( يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ) بدل من ( يومهم ) وفتحته فتحة إعراب لأنه أضيف إلى معرب .
والإغناء : جعل الغير غنيا أي غير محتاج إلى ما تقوم به حاجياته وإذا قيل : أغنى عنه كان معناه : أنه قام مقامه في دفع حاجة كان حقه أن يقوم بها ويتوسع فيه بحذف مفعوله لظهوره من المقام .
والمراد هنا لا يغني عنهم شيئا من العذاب المفهوم من إضافة ( يوم ) إلى ضميرهم ومن الصلة في قوله ( الذي فيه يصعقون ) .
و ( كيدهم ) من إضافة المصدر إلى فاعله أي ما يكيدون به وهو المشار إليه بقوله ( أم يريدون كيدا ) أي لا يستطيعون كيدا يومئذ كما كانوا في الدنيا .
فالمعنى : لا كيد لهم فيغني عنهم على طريقة قول امرئ القيس : .
" على لا حب لا يهتدى بمناره أي لا منارة له فيهتدى به .
وهذا ينفي عنهم التخلص بوسائل من فعلهم وعطف عليه ( ولا هم ينصرون ) لنفي أن يتخلصوا من العذاب بفعل من يخلصهم وينصرهم فانتفى نوعا الوسائل المنجية .
( وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون [ 47 ] ) جملة معترضة والواو اعتراضية أي وإن لهم عذابا في الدنيا قبل عذاب الآخرة وهو عذاب الجوع في سني القحط وعذاب السيف يوم بدر .
وفي قوله ( للذين ظلموا ) إظهار في مقام الإضمار لأن مقتضى الظاهر أن يقال : وإن له عذابا جريا على أسلوب قوله ( فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون ) فخولف مقتضى الظاهر لإفادة علة استحقاقهم العذاب في الدنيا بأنها الإشراك بالله .
A E وكلمة ( دون ) أصلها المكان المنفصل عن شيء انفصالا قريبا وكثر إطلاقه على الأقل يقال : هو في الشرف دون فلان وعلى السابق لأنه قرب أقرب حلولا من المسبوق وعلى معنى ( غير ) و ( دون ) في هذه الآية صالحة للثلاثة الأخيرة إذ المراد عذاب في الدنيا وهو قل من عذاب الآخرة قال تعالى ( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) وهو مغاير له كما هو بين