( أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون [ 42 ] ) انتقال من نقض أقوالهم وإبطال مزاعمهم إلى إبطال نواياهم وعزائمهم من التبييت للرسول A وللمؤمنين ولدعوة الإسلام من الإضرار والإخفاق وفي هذا كشف لسرائرهم وتنبيه للمؤمنين للحذر من كيدهم .
وحذف متعلق ( كيدا ) ليعم كل ما يستطيعون أن يكيدوه فكانت هذه الجملة بمنزلة التتميم لنقض غزلهم والتذييل بما يعم كل عزم يجري في الأغراض التي جرت فيها مقالاتهم .
والكيد والمكر متقاربان وكلاهما إظهار إخفاء الضر بوجه الإخفاء تغريرا بالمقصود له الضر .
وعدل عن الإضمار إلى الإظهار في قوله ( فالذين كفروا هم المكيدون ) وكان مقتضى الظاهر أن يقال فهم المكيدون لما تؤذن به الصلة من وجه حلول الكيد بهم لأنهم كفروا بالله فالله يدافع عن رسوله A وعن المؤمنين وعن دينه كيدهم ويوقعهم فيما نووا إيقاعهم فيه .
وضمير الفصل أفاد القصر أي الذين كفروا المكيدون دون من أرادوا الكيد بهم .
وإطلاق اسم الكيد على ما يجازيهم الله به عن كيدهم من نقض غزلهم إطلاق على وجه المشاكلة بتشبيه إمعان الله إياهم في نعمة إلى أن يقع بهم العذاب بفعل الكائد لغيره وهذا تهديد صريح لهم وقد تقدم قوله ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) في سورة الأنفال .
ومن مظاهر هذا التهديد ما حل بهم يوم بدر على غير ترقب منهم .
والقول في تفريع ( فالذين كفروا هم المكيدون ) كالقول في تفريع قوله ( فهم من مغرم مثقلون ) .
( أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون [ 43 ] ) هذا آخر سهم في كنانة الرد عليهم وأشد رمي لشبح كفرهم وهو شبح الإشراك وهو أجمع ضلال تنضوي تحته الضلالات وهو إشراكهم مع الله آلهة أخرى .
فلما كان ما نعي عليهم من أول السورة ناقضا لأقوالهم ونواياهم وكان ما هم فيه من الشرك أعظم لم يترك عد ذلك عليهم من اشتهاره بعد استيفاء الغرض المسوق له الكلام لهذه المناسبة ولذلك كان هذا المنتقل إليه بمنزلة التذييل لما قبله لأنه ارتقاء إلى الأهم في نوعه والأهم يشبه الأعم فكان كالتذييل ونظيره في الارتقاء في كمال النوع قوله تعالى ( فك رقبة أو إطعام ) إلى قوله ( ثم كان من الذين آمنوا ) الآية .
وقد وقع قوله ( سبحان الله عما يشركون ) إتماما للتذييل وتنهية المقصود من فضح حالهم .
وظاهر أن الاستفهام المقدر بعد ( أم ) استفهام إنكاري . واعلم أن الآلوسي نقل عن الكشف على الكشاف كلاما في انتظام الآيات من قوله تعالى ( يقولون شاعر ) إلى قوله ( أم لهم إله غير الله ) فيه نكت وتدقيق فانظر .
( وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم [ 44 ] فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون [ 45 ] يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون [ 46 ] ) عطف على جملة ( أم يقولون شاعر ) وما بعدها من الجمل الحالية لأقوالهم بمناسبة اشتراك معانيها مع ما في هذه الجملة في تصوير بهتانهم ومكابرتهم الدالة على أنهم أهل البهتان فلو أروا كسفا ساقطا من السماء وقيل لهم : هذا كسف نازل كابروا وقالوا هو سحاب مركوم .
ويجوز أن يكون ( كسفا ) تلويحا إلى ما حكاه الله عنهم في سورة الإسراء ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) إلى قوله ( أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ) . وظاهر ما حكاه الطبري عن ابن زيد أن هذه الآية نزلت بسبب قولهم ذلك وإذ قد كان الكلام على سبيل الغرض فلا توقف على ذلك .
والمعنى : أن يروا كسفا من السماء مما سألوا أن يكون آية على صدقك لا يذعنوا ولا يؤمنوا ولا يتركوا البهتان بل يقولوا : هذا سحاب وهذا المعنى مروي عن قتادة .
وهو من قبيل قوله تعالى ( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ) .
A E والكسف بكسر الفاء : القطعة ويقال : كسفه . وقد تقدم في سورة الإسراء .
و ( من السماء ) صفة ل ( كسفا ) و ( من ) تبعيضية أي قطعة من أجزاء السماء مثل القطع التي تسقط من الشهب .
والمركوم : المجموع بعضه فوق بعض يقال : ركمه ركما وهو السحاب الممطر قال تعالى ( ثم يجعله ركاما )