وتقديم ( لكم ) على ( البنون ) لإفادة الاختصاص أي لكم البنون دونه فهم لهم بنون وبنات وزعموا أن الله ليس له إلا البنات .
وأما تقديم المجرور على المبتدأ في قوله ( أم له البنات ) فللاهتمام باسم الجلالة وقد أنهي الكلام بالفاصلة لأنه غرض مستقل .
( أم تسئلهم أجرا فهم من مغرم مثقلون [ 40 ] ) هذا مرتبط بقوله ( أم يقولون تقوله ) وقوله ( أم عندهم خزائن ربك ) إذ كل ذلك إبطالا للأسباب التي تحملهم على زعم انتفاء النبوة عن محمد A فبعد أن أبطل وسائل اكتساب العلم بما زعموه عاد إلى إبطال الدواعي التي تحملهم على الإعراض عن دعوة الرسول A ولأجل ذلك جاء هذا الكلام على أسلوب الكلام الذي اتصل هو به وهو أسلوب خطاب الرسول A فقال هنا ( أم تسألهم أجرا ) وقال هنالك ( أم عندهم خزائن ربك ) .
والاستفهام المقدر بعد ( أم ) مستعمل في التهكم بهم بتنزيلهم منزلة من يتوجس خيفة من أن يسألهم الرسول A أجرا على إرشادهم .
والتهكم استعارة مبنية على التشبيه والمقصود ما في التهكم من معنى أن ما نشأ عنه التهكم أمر لا ينبغي أن يخطر بالبال .
وجيء بالمضارع في قوله ( تسألهم ) لإفادة التجدد أي تسألهم سؤالا متكررا لأن الدعوة متكررة وقد شبهت بسؤال سائل .
وتفريع ( فهم من مغرم مثقلون ) لما فيه من بيان الملازمة بين سؤال الأجر وبين تجهم من يسأل والتحرج منه .
وقد فرع قوله ( فهم من مغرم مثقلون ) على الفعل المستفهم عنه لا على الاستفهام أي ما سألتهم أجرا فيثقل غرمه عليهم لأن الاستفهام في معنى النفي والإثقال يتفرع على سؤال الأجر المفروض لأن مجرد السؤال محرج للمسؤول لأنه بين الإعطاء فهو ثقيل وبين الرد وهو صعب .
والمغرم بفتح الميم مصدر ميمي وهو الغرم . وهو ما يفرض على أحد من عوض يدفعه .
والمثقل : أصله المحمل بشيء ثقيل وهو هنا مستعار لمن يطالب بما يعسر عليه أداؤه شبه طلبه أداء ما يعسر عليه بحمل الشيء الثقيل على من لا يسهل عليه حمله .
و ( من ) للتعليل أي مثقلون من أجل مغرم حمد عليهم .
والمعنى : أنك ما كلفتهم شيئا يعطونه إياك فيكون ذلك سببا لإعراضهم عنك تخلصا من أداء ما يطلب منهم أي انتفى عذر إعراضهم عن دعوتك .
( أم عندهم الغيب فهم يكتبون [ 41 ] هذا نظير الإضراب والاستفهام في قوله ( أم عندهم خزائن ربك ) أي بل أعندهم الغيب فهم يكتبون ما يجيدونه فيه ويروونه للناس أما عندهم الغيب حتى يكتبوه فبعد أن رد عليهم إنكارهم الإسلام بأنهم كالذين سألهم النبي A أجرا على تبليغها أعقبه برد آخر بأنهم كالذين أطلعوا على أن عند الله ما يخالف ما أدعى الرسول A إبلاغه عن الله فهم يكتبون ما اطلعوا عليه فيجدونه مخالفا لما جاء به الرسول A .
قال قتادة : لما قالوا ( نتربص به ريب المنون ) قال الله تعالى ( أم عندهم الغيب ) أي حتى علموا متى يموت محمد أو إلى ما يؤول إليه أمره فجعله راجعا إلى قوله ( أم يقولون شاعر نتربص ريب المنون ) . والوجه ما سمعته آنفا .
والغيب هنا مصدر بمعنى الفاعل أي ما غاب عن علم الناس .
والتعريف في ( الغيب ) تعريف الجنس وكلمة ( عند ) تؤذن بمعنى الاختصاص والاستئثار أي استأثروا بمعرفة الغيب فعلموا ما لعلم به غيرهم .
والكتابة في قوله ( فهم يكتبون ) يجوز أنها مستعارة للجزم الذي لا يقبل التخلف كقوله ( كتب ربكم على نفسه الرحمة ) لأن شأن الشيء الذي يراد تحقيقه والدوام عليه أن يكتب ويسجل كما قال الحارث بن حلزة : .
" وهل ينقض ما في المهارق الأهواء فيكون الخبر في قوله ( فهم يكتبون ) مستعملا في معناه من إفادة النسبة الخبرية .
A E ويجوز أن تكون الكتابة على حقيقتها أي فهم يسجلون ما اطلعوا عليه من الغيب ليبقى معلوما لمن يطلع عليه ويكون الخبر من قوله ( فهم يكتبون ) مستعملا في معنى الفرض والتقدير تبعا لفرض قوله ( عندهم الغيب ) ويكون من باب قوله تعالى ( أعنده علم الغيب فهو يرى ) وقوله ( وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب ) .
وحاصل المعنى : أنهم لا قبل لهم بإنكار ما جحدوه ولا بإثبات ما أثبتوه