وقد وصف ذلك محمد بن عبد الرفيع الجعفري المرسي الأندلسي تزيل تونس سنة 1013 ثلاث عشر وألف في كتاب له سماه " الأنوار النبوية في آبار خير البرية " قال في خاتمة الكتاب " قد أطلعني الله تعالى على دين الإسلام بواسطة والدي وأنا ابن ستة أعوام مع أني كنت إذاك أروح إلى مكتب النصارى لأقرأ دينهم ثم أرجع إلى بيتي فيعلمني والدي دين الإسلام فكنت أتعلم فيهما ( كذا ) معا وسني حين حملت إلى مكتبهم أربعة أعوام فأخذ والدي لوحا من عود الجوز كأني أنظر لها الآن إليه مملسا من غير طفل " اسم لطين يابس وهو طين لزج وليست بعربية وعربيته طفال كغراب " فكتب لي في حروف الهجاء وهو يسألني عن حروف النصارى حرفا حرفا تدريبا وتقريبا فإذا سميت له حرفا أعجميا يكتب لي حرفا عربيا حتى استوفى جميع حروف الهجاء وأوصاني أن أكتم ذلك حتى عن والدتي وعمي وأخي مع أنه C قد ألقى نفسه للهلاك لإمكان أن أخبر ذلك عنه فيحرق لا محالة وقد كان يلقنني ما أقول عند رؤيتي الأصنام فلما تحقق والدي أني أكتم أمور دين الإسلام أمرني أن أتكلم بإفشائه لوالدتي وبعض الأصدقاء من أصحابه وسافرت الأسفار من جيان لأجتمع بالمسلمين الأخيار إلى غرناطة وأشبيلية وطليطلة وغيرها من مدن الجزيرة الخضراء فتخلص لي معرفتهم أني ميزت منهم سبعة رجال كانوا يحدثونني بأحوال غرناطة وما كان بها في الإسلام وقد مروا كلهم على شيخ من مشائخ غرناطة يقال له الفقيه الأوطوري... " الخ .
وإيثار فعل ( ألحقنا ) دون أن يقال : أدخلنا معهم أو جعلنا معهم لعلمه لما في معنى الإلحاق من الصلاحية للفوز والتأخير فقد يكون ذلك الإلحاق بعد إجراء عقاب على بعض الذرية استحقوه بسيئاتهم على ما في الأعمال من تفاوت في استحقاق العقاب والله أعلم بمراده من عباده . وفعل الإلحاق يقتضي أن الذريات صاروا في درجات آبائهم .
وفي المخالفة بين الصيغتين تفنن لدفع إعادة اللفظ .
و ( ألتناهم ) نقصناهم يقال : آلته حقه إذا نقصه إياه وهو من باب ضرب ومن باب علم .
فقرأه الجمهور بفتح لام ( التناهم ) . وقرأه ابن كثير بكسر لام ( التناهم ) وتقدم عند قوله تعالى ( لا يلتكم من أعمالكم شيئا ) في سورة الحجرات .
والواو للحال وضمير الغيبة عائد إلى ( الذين آمنوا ) .
A E والمعنى : أن الله ألحق بهم ذرياتهم في الدرجة في الجنة فضلا منه على الذين آمنوا دون عوض احتراسا من أن يحسبوا أن إلحاق ذرياتهم بهم بعد عطاء نصيب من حسناتهم لذرياتهم ليدخلوا به الجنة على ما هو متعارف عندهم في فك الأسير وحمالة الديات وخلاص الغارمين وعلى ما هو معروف في الانتصاف من المظلوم للظالم بالأخذ من حسناته وإعطائها للمظلوم وهو كناية عن عدم انتقاص حظوظهم من الجزاء على الأعمال الصالحة .
و ( من عملهم ) متعلق ب ( ما ألتناهم ) و ( من ) للتبعيض و ( من ) التي في قوله ( من شيء ) لتوكيد النفي وإفادة الإحاطة والشمول للنكرة .
( كل امرئ بما كسب رهين [ 21 ] ) جملة معترضة بين جملة ( وما ألتناهم من عملهم ) وبين جملة ( وأمددناهم بفاكهة ) قصد منها تعليل الجملة التي قبلها وهي بما فيها من العموم صالحة للتذييل مع التعليل و ( كل امرئ ) يعم أهل الآخرة كلهم .
وليس المراد كل امرئ من المتقين خاصة .
والمعنى : انتفى إنقاصنا إياهم شيئا من عملهم لأن كل أحد مقرون بما كسب ومرتهن عنده والمتقون لما كسبوا العمل الصالح كان لزاما لهم مقترنا بهم لا يسلبون منه شيئا والمراد بما كسبوا : جزاء ما كسبوا لأنه الذي يقترن بصاحب العمل وأما نفس العمل نفسه فقد انقضى في أبانه .
وفي هذا التعليل كنايتان : إحداهما أن أهل الكفر مقرونون بجزاء أعمالهم وثانيتهما أن ذريات المؤمنين الذين ألحقوا بآبائهم في النعيم ألحقوا بالجنة كرامة لآبائهم ولولا تلك الكرامة لكانت معاملتهم على حسب أعمالهم . وبهذا كان لهذه الجملة وقع أشد حسنا عما سواه مع أنها صارت من حسن التتميم .
والكسب : يطلق على ما يحصله المرء بعمله لإرادة نفع نفسه .
ورهين : فعيل بمعنى مفعول من الرهن وهو الحبس .
( وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون [ 22 ] يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم [ 23 ] ) عطف على ( في جنات ونعيم ) الخ