( متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين [ 20 ] ) حال من ضمير ( كلوا واشربوا ) أي يقال لهم كلوا وأشربوا حال كونهم متكئين أي وهم في حال إكلة أهل الترف المعهود في الدنيا فقد كان أهل الرفاهية يأكلون متكئين وقد وصف القرآن ذلك في سورة يوسف بقوله ( أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئا وءاتت كل واحدة منهن سكينا ) وكان الأكاسرة ومرازبة الفرس يأكلون متكئين وكذلك كان أباطرة الرومان وكذلك شأنهم في شرب الخمر قال الأعشى : .
نازعتهم قضب الريحان متكئا ... وخمرة مزة راووقها خضل السرر : جمع سرير وهو ما يضطجع عليه .
والمصفوفة : المتقابلة والمعنى : أنهم يأكلون متكئين مجتمعين للتأنس كقوله تعالى ( على سرر متقابلين ) .
وجملة ( وزوجناهم ) عطف على ( متكئين ) فهي في موضع الحال .
ومعنى ( زوجناهم ) : جعلنا كل فرد منهم زوجا أي غير مفرد أي قرناهم بنساء حور عين . والباء للمصاحبة أي جعلنا حورا عينا معهم ولم يعد فعل ( زوجناهم ) إلى ( حور ) بنفسه على المفعولية كما في قوله تعالى ( زوجناكم ) لأن ( زوجنا ) في هذه الآية ليس بمعنى أنكحناهم إذ ليس المراد عقد النكاح لنبو المراد عن هذا المعنى فالتزويج هنا وارد بمعناه الحقيقي في اللغة وهو جعل الشيء المفرد زوجا وليس واردا بمعناه المقول عنه في العرف والشرع وليس الباء لتعدية فعل ( زوجناهم ) بتضمينه معنى : قرنا ولا هو على لغة أزد شنؤة فإنه لم يسمع في فصيح الكلام : تزوج بامرأة .
وحور : صفة لنساء المؤمنين في الجنة وهن النساء اللاتي كن أزواجا لهم في الدنيا إن كن مؤمنات ومن يخلقهن الله في الجنة لنعمة الجنة وحكم نساء المؤمنين اللاتي هن مؤمنات ولم يكن في العمل الصالح مثل أزواجهن في لحاقهن بأزواجهن في الدرجات في الجنة تقدم عند قوله تعالى ( ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون ) في سورة الزخرف وما يقال فيهن يقال في الرجال من أزواج النساء الصالحات .
و ( عين ) صفة ثانية وحقها أن تعطف ولكن كثر ترك العطف .
( والذين أمنوا وأتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ) اعتراض بين ذكر كرامات المؤمنين والواو اعتراضية .
A E والتعبير بالموصول إظهار في مقام الإضمار لتكون الصلة إيماء إلى أن وجه بناء الخبر الوارد بعدها أي أن سبب إلحاق ذرياتهم بهم في نعيم الجنة هو إيمانهم وكون الذريات آمنوا بسبب إيمان آبائهم لأن الآباء المؤمنين يلقنون أبنائهم الإيمان .
والمعنى : والمؤمنون الذين لهم ذريات مؤمنون ألحقنا بهم ذرياتهم .
وقد قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم نارا ) وهل يستطيع أحدكم أن يقي النار غيره إلا بالإرشاد . ولعل ما في الآية من إلحاق ذرياتهم من شفاعة المؤمن الصالح لأهله وذريته .
والتنكير في قوله ( بإيمان ) يحتمل أن يكون للتعظيم أي بإيمان عظيم وعظمته بكثرة الأعمال الصالحة فيكون ذلك شرطا في إلحاقهم بآبائهم وتكون عن النعمة في جعلهم في مكان واحد .
ويتحمل أن يكون للنوعية أي ما يصدق عليه حقيقة الإيمان .
وقرأ الجمهور ( واتبعتهم ) بهمزة وصل وبتشديد التاء الأولى وبتاء بعد العين هي تاء تأنيث ضمير الفعل . وقرأه أبو عمرو وحده ( واتبعناهم ) بهمزة قطع وسكون التاء .
وقوله ( ذريتهم ) الأول قرأه الجمهور بصيغة الإفراد . وقرأه أبو عمرو ( ذرياتهم ) بصيغة جمع ذرية فهو مفعول ( اتبعناهم ) . وقرأه ابن عامر ويعقوب بصيغة الجمع أيضا لكن مرفوعة على أنه فاعل ( اتبعتهم ) فيكون الإنعام على آبائهم بإلحاق ذرياتهم بهم وإن لم يعلموا مثل عملهم .
وقد روى جماعة منهم الطبري والبزار وابن عدي وأبو نعيم وابن مردويه حديثا مسندا إلى ابن عباس عن النبي A قال : ( إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه " أي في العمل كما صرح به في رواية القرطبي " لتقر بهم عينيه ثم قرأ ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ) إلى قوله ( من شيء ) .
وعلى الاحتمالين هو نعمة جمع الله بها للمؤمنين أنواع المسرة بسعادتهم بمزاوجة الحور وبمؤانسة الإخوان المؤمنين وباجتماع أولادهم ونسل بهم وذلك أن في طبع الإنسان التأنس بأولاده وحبه اتصالهم به