وقوله ( يومئذ ) على هذا الوجه أريد به التأكيد للظرف فحصل تحقيق الخبر بطريقين طريق المجازاة وطريق التأكيد في قوله ( يوم تمور السماء مورا ) الآية تصريح بيوم البعث بعد أن أشير إليه تضمنا بقوله ( إن عذاب ربك لواقع ) فحصل بذلك تأكيده أيضا .
والمور بفتح الميم وسكون الواو : التحرك باضطراب ومور السماء هو اضطراب أجسامها من الكواكب واختلال نظامها وذلك عند انقراض عالم الحياة الدنيا .
وسير الجبال : انتقالها من مواضعها بالزلازل التي تحدث عند انقراض عالم الدنيا قال تعالى ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) إلى قوله ( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ) .
وتأكيد فعلي ( تمور ) و ( تسير ) بمصدرين ( مورا ) و ( سيرا ) لرفع احتمال المجاز أي هو مور حقيقي وتنقل حقيقي .
والويل : سوء الحال البالغ منتهى السوء وتقدم عند قوله تعالى ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) في سورة البقرة وتقدم قريبا في آخر الذاريات . والمعنى : فويل يومئذ للذين يكذبون الآن . وحذف متعلق للمكذبين لعلمه من المقام أي الذين يكذبون بما جاءهم به الرسول من توحيد الله والبعث والجزاء والقرآن فأسم الفاعل في زمن الحال .
والخوض : الاندفاع في الكلام الباطل والكذب . والمراد خوضهم في تكذيبهم بالقرآن مثل ما حكى الله عنهم ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) وهو المراد بقوله تعالى ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) .
و ( في ) للظرفية المجازية وهي الملابسة الشديدة كملابسة الظرف للمظروف أي الذين تمكن منهم الخوض حتى كأنهم أحاط بهم .
و ( يلعبون ) حالية . واللعب : الاستهزاء قال تعالى ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسله كنتم تستهزئون ) .
( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا [ 13 ] هذه النار التي كنتم بها تكذبون [ 14 ] أفسحر هذا أم لا تبصرون [ 15 ] اصلوها فاصبروا أو لا تبصروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون [ 16 ] ) ( يوم يدعون ) بدل من ( يوم تمور السماء مورا ) وهو بدل اشتمال .
A E والدع : الدفع العنيف وذلك إهانة لهم وغلظة عليهم أي يوم يساقون إلى نار جهنم سوقا بدفع وفيه تمثيل حالهم بأنهم خائفون متقهقرون فتدفعهم الملائكة الموكلون بإزجائهم إلى النار .
وتأكيد ( يدعون ) ب ( دعا ) لتوصل إلى إفادة تعظيمه بتنكيره .
وجملة ( هذه النار ) إلى آخرها مقول قول محذوف دل عليه السياق . والقول المحذوف يقدر بما هو حال من ضمير ( يدعون ) . وتقديره : يقال لهم أو مقولا لهم والقائل هم الملائكة الموكلون بإيصالهم إلى جهنم .
والإشارة بكلمة ( هذه ) الذي هو للمشار إليه التقريب المؤنث تومىء إلى أنهم بلغوها وهم على شفاها والمقصود بالإشارة التوطئة لما سيرد بعدها من قوله ( التي كنتم بها تكذبون ) إلى ( لا تبصرون ) .
والموصول وصلته في قوله ( التي كنتم بها تكذبون ) لتنبيه المخاطبين على فساد رأيهم إذ كذبوا بالحشر والعقاب فرأوا ذلك عيانا .
وفرع على هذا التنبيه تنبيه آخر على ضلالتهم في الدنيا بقوله ( أفسحر هذا ) إذ كانوا حين يسمعون الإنذار يوم البعث والجزاء يقولون : هذا سحر وإذا عرض عليهم القرآن قالوا : قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذانهم وقر ومن بيننا وبينك حجاب فللمناسبة بين ما في صلة الموصول من معنى التوقيف على خطئهم وبين التهكم عليكم بما كانوا يقولونه دخلت فاء التفريع وهو من جملة ما يقال لهم المحكي بالقول المقدر .
و ( أم ) منقطعة والاستفهام الذي تقتضيه ( أم ) بعدها مستعمل في التوبيخ والتهكم . والتقدير : بل أنتم لا تبصرون .
ومعنى لا تبصرون : لا تبصرون المرئيات كما هي في الواقع فلعلكم تزعمون أنكم لا ترون نارا كما كنتم في الدنيا تقولون : ( بيننا وبينك حجاب ) أي فلا نراك وتقولون ( إنما سكرت أبصارنا ) .
وجيء بالمسند إليه مخبرا عنه بخبر فعلي لإفادة تقوي الحكم فلذلك لم يقل : أم لا تبصرون لأنه لا يفيد تقويا ولا : أم لا تبصرون أنتم لأن مجيء الضمير المنفصل بعد الضمير المتصل يفيد تقرير المسند إليه المحكوم عليه بخلاف تقديم المسند إليه فإنه يفيد تأكيد الحكم وتقويته وهو أشد توكيدا وكل ذلك في طريقة التهكم