وفي الطبري : أن عليا سئل : ما البيت المعمور ؟ فقال : " بيت في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا يقال له : الضراح " . " بضم الضاد المعجمة وتخفيف الراء وحاء مهملة " وأن مجاهدا والضحاك وابن زيد قالوا مثل ذلك . وعن قتادة أن النبي A قال : " هل تدرون ما البيت المعمور ؟ قال : فإنه مسجد في السماء تحته الكعبة " إلى آخر الخبر . وثمة أخبار كثيرة متفاوتة في أن في السماء موضعا يقال له " : البيت المعمور لكن الروايات في كونه المراد من هذه الآية ليست صريحة .
وأما السقف المرفوع : ففسروه بالسماء لقوله تعالى ( وجعلنا السماء سقفا محفوظا ) وقوله ( والسماء رفعها ) فالرفع حقيقي ومناسبة القسم بها أنها مصدر الوحي كله التوراة والقرآن . وتسمية السماء على طريقة التشبيه البليغ .
والبحر : يجوز أن يراد به البحر المحيط بالكرة الأرضية . وعندي : أن المراد بحر القلزم وهو البحر الأحمر ومناسبة القسم به أنه أهلك به فرعون وقومه حين دخله موسى وبنو إسرائيل فلحق بهم فرعون .
والمسجور : قيل المملوء مشتقا من السجر وهو الملء والإمداد . فهو صفة كاشفة قصد منها التذكير بحال خلق الله إياه مملوءا ماء دون أن تملأه أودية أو سيول أو هي للاحتراز عن إرادة الوادي إذ الوادي ينقص فلا يبقى على ملئه وذلك دال على عظم القدرة . والظاهر عندي : أن وصفه بالمسجور للإيماء إلى الحالة التي كان بها هلاك فرعون بعد أن فرق الله البحر لموسى وبني إسرائيل ثم أسجره أي أفاضه على فرعون وملئه .
وعذاب الله المقسم على وقوعه وهو عذاب الآخرة لقوله ( يوم تمور السماء مورا ) إلى قوله ( تكذبون ) . وأما عذاب المكذبين في الدنيا فسيجيء في قوله تعالى ( وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ) . وتحقيق وقوع عذاب الله يوم القيامة إثبات للبعث بطريقة الكناية القريبة وتهديد للمشركين بطريقة الكناية التعريضية .
والواوات التي في هذه الآية واوات قسم لأن شأن القسم أن يعاد ويكرر ولذلك كثيرا ما يعيدون المقسم به نحو قول النابغة : .
" والله والله لنعم الفتى وإنما يعطفون بالفاء إذا أرادوا صفات المقسم به .
A E ويجوز صرف الواو الأولى للقسم واللاتي بعدها عاطفات على القسم والمعطوف على القسم قسم .
والوقوع : أصله النزول من علو واستعمل مجازا للتحقق وشاع ذلك فالمعنى : أن عذاب ربك لمتحقق .
وحذف متعلق ( لواقع ) وتقديره : على المكذبين أو بالمكذبين كما دل عليه قوله بعد ( فويل يومئذ للمكذبين ) أي المكذبين بك بقرينة إضافة رب إلى ضمير المخاطب المشعر بأنه معذبهم لأنه ربك وهم كذبوك فقد كذبوا رسالة الرب . وتضمن قوله ( إن عذاب ربك لواقع ) إثبات البعث بعد كون الكلام وعيدا لهم على إنكارهم أن يكونوا معذبين .
وأتبع قوله ( لواقع ) بقوله ( ما له من دافع ) وهو خبر ثان عن ( عذاب ) أو حال منه أي : ما للعذاب دافع يدفعهم عنهم .
والدفع : إبعاد الشيء عن شيء باليد وأطلق هنا على الوقاية مجازا بعلاقة الإطلاق ألا يقيهم من عذاب الله أحد بشفاعة أو معارضة .
وزيدت ( من ) في النفي لتحقيق عموم النفي وشموله أي نفي جنس الدافع .
روى أحمد بن حنبل عن جبير بن مطعم قال " قدمت المدينة على رسول الله A لأكلمه في أسارى بدر فدفعت إليه وهو يصلي بأصحابه صلاة المغرب فسمعته يقرأ ( والطور ) إلى ( إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع ) فكأنما صدع قلبي " وفي رواية " فأسلمت خوفا من نزول العذاب وما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب " .
( يوم تمور السماء مورا [ 9 ] وتسير الجبال سيرا [ 10 ] فويل يومئذ للمكذبين [ 11 ] الذين هم في خوض يلعبون [ 12 ] ) يجوز أن يتعلق ( يوم تمور السماء ) بقوله ( لواقع ) على أنه ظرف له فيكون قوله ( فويل يومئذ للمكذبين ) تفريعا على الجملة كلها ويكون العذاب عذاب الآخرة .
ويجوز أن يكون الكلام قد تم عند قوله ( أن عذاب ربك لواقع ) فيكون ( يوم ) متعلقا بالكون الذي بين المبتدأ والخبر في قوله ( فويل يومئذ للمكذبين ) وقدم الظرف على عامله للاهتمام فلما قدم الظرف أكتسب معنى الشرطية وهو استعمال متبع في الظروف والمجرورات التي تقدم على عواملها فلذلك قرنت الجملة بعده بالفاء على تقدير : إن حل ذلك اليوم فويل للمكذبين