( وقبل الغروب ) ظرف واسع يبتدئ من زوال الشمس عن كبد السماء لأنها حين تزول عن كبد السماء قد مالت إلى الغروب وينتهي بغروبها وشمل ذلك وقت صلاة الظهر والعصر وذلك معلوم للنبي صلى الله عليه وسلم وتسبيح الليل بصلاتي المغرب والعشاء لأن غروب الشمس مبدأ الليل فإنهم كانوا يؤرخون بالليالي ويبتدئون الشهر بالليلة الأولى التي بعد طلوع الهلال الجديد عقب غروب الشمس .
وقيل هذه المذكورات كلها نوافل فالذي قبل طلوع الشمس ركعتا الفجر والذي قبل الغروب ركعتان قبل غروب الشمس قاله أبو برزة وأنس بن مالك والذي من الليل قيام الليل قاله مجاهد .
ويأتي على هذا الوجه الاختلاف في محمل الأمر على الندب إن كانا عاما أو على الوجوب إن كانا خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في سورة المزمل .
وقريب من هذه الآية قوله تعالى ( فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا ) في سورة الإنسان .
وقريب منها أيضا قوله تعالى ( واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم ) في سورة الطور .
وأما قوله ( وإدبار السجود ) فيجوز أن يكون معطوفا على قوله ( قبل طلوع الشمس ) ويجوز أن يكون معطوفا على قوله ( ومن الليل فسبحه ) .
والإدبار : بكسر الهمزة حقيقته : الانصراف لأن المنصرف يستدير من كان معه واستعير هنا للانقضاء أي انقضاء السجود والسجود : الصلاة قال تعالى ( واسجد واقترب ) . وانتصابه على النيابة عن الظرف لأن المراد : وقت إدبار السجود .
وقرأه نافع وابن كثير وأبو جعفر وحمزة وخلف بكسر همزة ( إدبار ) . وقرأه الباقون بفتح الهمزة على أنه جمع : دبر بمعنى العقب والآخر وعلى كلتا القراءتين هو وقت انتهاء السجود .
ففسر السجود بالحمل على الجنس أي بعد الصلوات قال ابن زيد فهو أمر بالرواتب التي بعد الصلوات . وهو عام خصصته السنة بأوقات النوافل ومجمل بينت السنة مقاديره وبينت أن الأمر فيه أمر ندب وترغيب لا أمر إيجاب .
وعن المهدوي أنه كان فرضا فنسخ بالفرائض .
وحمل على العهد فقال جمع من الصحابة والتابعين هو صلاة المغرب أي الركعتان بعدها . وعن ابن عباس أنه الوتر .
والفاء في قوله ( فسبحه ) للتفريع على قوله ( وسبح بحمد ربك ) على أن يكون الوقت على قوله ( ومن الليل ) تأكيدا للأمر لإفادة الوجوب فيجعل التفريع اعتراضا بين الظروف المتعاطفة وهو كالتفريع الذي في قوله آنفا ( فنقبوا في البلاد ) وقوله تعالى ( ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار ) .
( واستمع يوم يناد المنادي من مكان قريب [ 41 ] يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج [ 42 ] إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير [ 43 ] ) لا محالة أن جملة ( استمع ) عطف على جملة ( سبح بحمد ربك ) فالأمر بالاستماع مفرع بالفاء التي فرع بها الأمر بالصبر على ما يقولون . فهو لاحق بتسلية النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون المسموع إلا من نوع ما فيه عناية به وعقوبة لمكذبيه .
وابتداء الكلام ب ( استمع ) يفيد توشيقا إلى ما يرد بعده على كل احتمال .
والأمر بالاستماع حقيقته : الأمر بالإنصات والإصغاء .
وللمفسرين ثلاث طرق في محمل ( استمع ) فالذي نحاه الجمهور حمل الاستماع على حقيقته وإذ كان المذكور عقب فعل السمع لا يصلح لأن يكون مسموعا لأن اليوم ليس مما يسمع تعين تقدير مفعول ل ( استمع ) يدل عليه الكلام الذي بعده فيقدر : استمع نداء المنادي أو استمع خبرهم أو استمع الصيحة يوم ينادي المنادي .
ولك أن تجعل فعل ( استمع ) منزلا منزلة اللازم أي كن سامعا ويتوجه على تفسيره هذا أن يكون معنى الأمر بالاستماع تخييلا لصيحة ذلك اليوم في صورة الحاصل بحيث يؤمر المخاطب بالإصغاء إليها في الحال كقول مالك بن الريب : .
دعاني الهوى من أهل ودي وجيرتي ... بذي الطبسين فالتفت ورائيا A E