" امتلا الحوض وقال : قطني والاستفهام في ( هل من مزيد ) مستعمل للتشويق والتمني .
A E وفيه دلالة على أن الموجودات مشوقة إلى الإيفاء بما خلقت له كما قال الشيطان ( رب بما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) . وفيه دلالة على إظهار الامتثال لما خلقها الله لأجله ولأنها لا تتلكأ ولا تتعلل في أدائه على أكمل حال في بابه .
والمزيد : مصدر ميمي وهو الزيادة مثل المجيد والحميد . ويجوز أن يكون اسم مفعول من زاد أي هل من جماعة آخرين يلقون في .
( وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد [ 31 ] هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ [ 32 ] من خشي الرحمان بالغيب وجاء بقلب منيب [ 33 ] ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود [ 34 ] لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد [ 35 ] ) عطف ( وأزلفت ) على ( يقول لجهنم ) . فالتقدير : يوم أزلفت الجنة للمتقين وهو رجوع إلى مقابل حالة الضالين يوم ينفخ في الصور فهذه الجملة متصلة في المعنى بجملة ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) ولو اعتبرت معطوفة عليها لصح ذلك إلا أن عطفها على جملة ( يوم يقول لجهنم هل امتلات ) غنية عن ذلك ولا سيما مع طول الكلام .
والإزلاف : التقريب مشتق من الزلف بالتحريك وهو القربة وقياس فعله أنه كفرح كما دل عليه المصدر ولم يرو في كلامهم أي جعلت الجنة قريبا من المتقين أي ادنوا منها .
والجنة موجودة من قبل ورود المتقين إليها فإزلافها قد يكون بحشرهم للحساب بمقربة منها كرامة لهم عن كلفة المسير إليها وقد يكون عبارة عن تيسير وصولهم إليها بوسائل غير معروفة في عادة أهل الدنيا .
وقوله ( غير بعيد ) يرجح الاحتمال الأول أي غير بعيد منهم وإلا صار تأكيدا لفظيا ل ( أزلفت ) كما يقال : عاجل غير آجل وقوله ( وأضل فرعون قومه وما هدى ) والتأسيس أرجح من احتمال التأكيد .
وانتصب ( غير بعيد ) على الظرفية باعتبار أنه وصف لظرف مكان محذوف . والتقدير : مكانا غير بعيد أي عن المتقين . وهذا الظرف حال من ( الجنة ) .
وتجريد ( بعيد ) من علامة التأنيث : إما على اعتبار ( غير بعيد ) وصفا ل ( مكان ) وإما جري على الاستعمال الغالب في وصف ( بعيد وقريب ) إذا أريد البعد والقرب بالجهة دون النسب أن يجردا من علامة التأنيث كما قاله الفراء أو لأن تأنيث اسم الجنة غير حقيقي كما قال الزجاج وإما لأنه جاء على زنة المصدر مثل الزئير والصليل كما قال الزمخشري ومثله قوله تعالى ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) .
وجملة ( هذا ما توعدون ) معترضة فلك أن تجعلها وحدها معترضة وما بعدها متصلا بما قبلها فتكون معترضة بين البدل والمبدل منه وهما ( للمتقين ) و ( لكل أواب ) بدلا من ( للمتقين ) وتكرير الحرف الذي جر به المبدل منه لقصد التأكيد كقوله تعالى ( قال الذين استكبروا للذين استضعفوا لمن آمن منهم ) الآية وقوله ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس ) .
واسم الإشارة المذكر مراعى فيه مجموع ما هو مشاهد عندهم من الخيرات .
والأواب : الكثير الأوب أي الرجوع إلى الله أي إلى امتثال أمره ونهيه .
والحفيظ : الكثير الحفظ لوصايا الله وحدوده .
والمعنى : أنه محافظ على الطاعة فإذا صدرت منه فلتة أعقبها بالتوبة .
و ( من خشي الرحمان بالغيب ) بدل من ( كل أواب ) .
والخشية : الخوف . وأطلقت الخشية على أثرها وهو الطاعة .
والباء في ( بالغيب ) بمعنى ( في ) الظرفية لتنزيل الحال منزلة المكان أي الحالة الغائبة وهي حالة عدم اطلاع أحد عليه فإن الخشية في تلك الحالة تدل على صدق الطاعة لله بحيث لا يرجو ثناء أحد ولا عقاب أحد فيتعلق المجرور بالتاء بفعل ( خشي ) .
ولك أن تبقي الباء على بعض معانيها الغالبة وهي الملابسة ونحوها ويكون ( الغيب ) مصدرا والمجرور حالا من ضمير ( خشي ) .
ومعنى ( وجاء بقلب منيب ) أنه حضر يوم الحشر مصاحبا قلبه المنيب إلى الله أي مات موصوفا بالإنابة ولم يبطل عمله الصالح في آخر عمره وهذا كقوله حكاية عن إبراهيم ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )