المسألة الرابعة : دل قوله ( فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) أنه تحذير من الوقوع فيما يوجب الندم شرعا أي ما يوجب التوبة من تلك الإصابة فكان هذا كناية عن الإثم في تلك الإصابة فحذر ولاة الأمور من أن يصيبوا أحدا بضر أو عقاب أو حد أو غرم دون تبين وتحقق توجه ما يوجب تسليط تلك الإصابة عليه بوجه يوجب اليقين أو غلبة الظن وما دون ذلك فهو تقصير يؤاخذ عليه وله مراتب بينها العلماء في حكم خطها القاضي وصفة المخطئ وما ينقض من أحكامه .
وتقديم المجرور على متعلقه في قوله ( على ما فعلتم نادمين ) للاهتمام بذلك الفعل وهو الإصابة بدون تثبت والتنبيه على خطر أمره .
( واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ) عطف على جملة ( إن جاءكم فاسق بنبإ ) عطف تشريع على تشريع وليس مضمونها تكملة لمضمون جملة ( إن جاءكم فاسق ) الخ بل هي جملة مستقلة .
A E وابتداء الجملة ب ( اعلموا ) للاهتمام وقد تقدم في قوله تعالى ( واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ) في سورة البقرة . وقوله ( واعلموا أنما غنمتم من شيء ) في الأنفال .
وقوله ( أن فيكم رسول الله ) إن خبر مستعمل في الإيقاظ والتحذير على وجه الكناية . فإن كون رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم أمر معلوم لا يخبر عنه . فالمقصود تعليم المسلمين باتباع ما شرع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحكام ولو كانت غير موافقة لرغباتهم .
وجملة ( لو يطيعكم في كثير من الأمر ) الخ يجوز أن تكون استئنافا ابتدائيا .
فضميرا الجمع في قوله ( يطيعكم ) وقوله ( لعنتم ) عائدان إلى الذين آمنوا على توزيع الفعل على الأفراد فالمطاع بعض الذين آمنوا وهم الذين يبتغون أن يعمل الرسول صلى الله عليه وسلم بما يطلبون منه والعانت بعض آخر وهم جمهور المؤمنين الذين يجري عليهم قضاء النبي صلى الله عليه وسلم بحسب رغبة غيرهم .
ويجوز أن تكون جملة ( لو يطيعكم ) الخ في موضع الحال من ضمير ( فيكم ) لأن مضمون الجملة يتعلق بأحوال المخاطبين من جهة أن مضمون جواب ( لو ) عنت يحصل للمخاطبين .
ومآل الاعتبارين في موقع الجملة واحد وانتظام الكلام على كلا التقديرين غير منثلم .
والطاعة : عمل أحد يؤمر به وما ينهى عنه وما يشار به عليه أي لو أطاعكم فيما ترغبون .
و ( الأمر ) هنا بمعنى الحادث والقضية النازلة .
والتعريف في الأمر تعريف الجنس شامل لجميع الأمور ولذلك جيء معه بلفظ ( كثير من ) أي في أحداث كثيرة مما لكم رغبة في تحصيل شيء منها فيه مخالفة لما شرعه .
وهذا احتراز عن طاعته إياهم في بعض الأمر مما هو من غير شؤون التشريع كما أطاعهم في نزول الجيش يوم بدر على جهة يستأثرون فيها بماء بدر .
والعنت : اختلال الأمر في الحاضر أو في العاقبة .
وصيغة المضارع في قوله ( لو يطيعكم ) مستعملة في الماضي لأن حرف ( لو ) يفيد تعليق الشرط في الماضي وإنما عدل إلى صيغة المضارع لأن المضارع صالح للدلالة على الاستمرار أي لو أطاعكم في قضية معينة ولو أطاعكم كلما رغبتم منه أو أشرتم عليه لعنتم لأن بعض ما يطلبونه مضر بالغير أو بالراغب نفسه فإنه قد يحب عاجل النفع العائد عليه بالضر .
وتقديم خبر ( إن ) على اسمها في قوله ( إن فيكم رسول الله ) للاهتمام بهذا الكون فيهم وتنبيها على أن واجبهم الاغتباط به والإخلاص له لأن كونه فيهم شرف عظيم لجماعتهم وصلاح لهم .
والعنت : المشقة أي لأصاب الساعين في أن يعمل النبي صلى الله عليه وسلم بما يرغبون العنت . وهو الإثم إذ استغفلوا النبي صلى الله عليه وسلم ولأصاب غيرهم العنت بمعنى المشقة وهي ما يلحقهم من جريان أمر النبي صلى الله عليه وسلم على ما يلائم الواقع فيضر ببقية الناس وقد يعود بالضر على الكاذب المتشفي برغبته تارة فيلحق عنت من كذب غيره تارة أخرى .
( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون [ 7 ] فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم [ 8 ] )