وجملة ( لهم مغفرة ) خبر ( إن ) وهو المقصود من هذه من الجملة المستأنفة وما بينهما اعتراض للتنويه بشأنه . وجعل في الكشاف خبر ( إن ) هو اسم الإشارة مع خبره وجعل جملة ( لهم ) مستأنفة ولكل وجه فأنظره .
A E وقال " وهذه الآية بنظمها الذي رتبت عليه من إيقاع الغاضين أصواتهم اسما ل ( إن ) المؤكدة وتصيير خبرها جملة من مبتدأ وخبر معرفتين معا . والمبتدأ اسم الإشارة واستئناف الجملة المستودعة ما هو جزاؤهم على عملهم وإيراد الجزاء نكرة مبهما أمره ناظرة في الدلالة على غاية الاعتداد والارتضاء لما فعل الذين وقروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الإعلام بمبلغ عزة رسول الله وقدر شرف منزلته " اه .
وهذا الوعد والثناء يشملان ابتداء أبا بكر وعمر إذ كان كلاهما يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم كأخي السرار .
( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون [ 4 ] ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم [ 5 ] ) هذه الجملة بيان لجملة ( ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ) بيانا بالمثال وهو سبب النزول .
فهذا شروع في الغرض والذي نشأ عنه ما أوجب نزول صدر السورة فافتتح به لأن التحذير والوعد اللذين جعلا لأجله صالحان لأن يكونا مقدمة للمقصود فحصل بذلك نسج بديع وإيجاز جليل وإن خالف ترتيب ذكره ترتيب حصوله في الخارج وقد صادف هذا الترتيب المحز أيضا إذ كان نداؤهم من وراء الحجرات من قبيل الجهر للرسول صلى الله عليه وسلم بالقول كجهر بعضهم لبعض فكان النهي عن الجهر له بالقول تخلصا لذكر ندائه من وراء الحجرات .
والمراد بالذين ينادون النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات جماعة من وفد بني تميم جاءوا المدينة في سنة تسع وهي سنة الوفود وكانوا سبعين رجلا أو أكثر .
وكان سبب وفود هذا الوفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن بني العنبر منهم كانوا قد شهروا السلاح على خزاعة وقيل كانوا منعوا إخوانهم بني كعب بن العنبر بن عمرو بن تميم من إعطاء الزكاة وكان بنو كعب قد أسلموا من قبل ولم أقف على وقت إسلامهم . والظاهر أنهم أسلموا في سنة الوفود فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر بن سفيان ساعيا لقبض صدقات بني كعب فمنعهم بنو العنبر فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن في خمسين من العرب ليس فيهم أنصاري ولا مهاجري فأسر منهم أحد عشر رجلا وإحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا . فجاء في أثرهم جماعة من رؤسائهم لفدائهم فجاؤوا المدينة .
وكان خطيبهم عطارد بن حاجب بن زراره وفيهم سادتهم الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم والأقرع بن حابس ومعهم عيينة بن حصن الفزاري الغطفاني وكان هذان الأخيران أسلما من قبل وشهدا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح ثم جاء معهم الوفد فلما دخل الوفد المسجد وكان وقت القائلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم في حجرته نادوا جميعا وراء الحجرات : يا محمد اخرج إلينا ثلاثا فإن مدحنا زين وإن شين نحن أكرم العرب " سلكوا في عملهم هذا مسلك وفود العرب على الملوك والسادة كانوا يأتون بيت الملك أو السيد فيطيفون به ينادون ليؤذن لهم كما ورد في قصة ورود النابغة على النعمان بن الحارث الغساني " .
وقولهم : إن مدحنا زين طريقة كانوا يستدرون بها العظماء للعطاء فإضافة : مدحنا وذمنا إلى الضمير من إضافة المصدر إلى فاعله . فلما خرج إليهم رسول الله قالوا : جئناك نفاخرك فإذن لشاعرنا وخطيبنا إلى آخر القصة .
وقولهم : نفاخرك جروا فيه على عادة الوفود من العرب أن يذكروا مفاخرهم وأيامهم ويذكر الموفود عليهم مفاخرهم وذلك معنى صيغة المفاعلة في قولهم : نفاخرك وكان جمهورهم لم يزالوا كفارا حينئذ وإنما أسلموا بعد أن تفاخروا وتناشدوا الأشعار