أحل به الشيب أثقاله ... وما اغتره الشيب إلا اغترارا أي إلا ظنا ضعيفا .
ومفعولا ( نظن ) محذوفان لدليل الكلام عليهما . والتقدير : إن نظن الساعة واقعة .
وقولهم ( وما نحن بمستيقنين ) يفيد تأكيد قولهم ( ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا ) وعطفه عطف مرادف أي للتشريك في اللفظ . والسين والتاء في ( مستيقنين ) للمبالغة في حصول الفعل .
( وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون [ 33 ] ) عطف على جملة ( أفلم تكن آياتي تتلى عليكم ) باعتبار تقدير : فيقال لهم أي فيقال لهم ذلك ( وبدا لهم سيئات ما عملوا ) أي جمع لهم بين التوبيخ والإزعاج فوبخوا بقوله ( أفلم تكن آياتي تتلى عليكم ) إلى آخره وأزعجوا بظهور سيئات أعمالهم أي ظهور جزاء سيئاتهم حين رأوا دار العذاب وآلاته رؤية من يوقن بأنها معدة له وذلك بعلم يحصل لهم عند رؤية الأهوال .
وعبر بالسيئات عن جزائها إشارة إلى تمام المعادلة بين العمل وجزائه حتى جعل الجزاء نفس العمل على حد قوله ( فذوقوا ما كنتم تكنزون ) .
ومعنى ( حاق ) أحاط .
A E و ( ما كانوا به يستهزئون ) يعم كل ما كان طريق استهزاء بالإسلام من أقوالهم الصادرة عن استهزاء مثل قولهم ( إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ) . وقول العاصي بن وائل الخباب بن الأرث : لأوتين مالا وولدا في الآخرة فأقضي منه دينك . ومن الأشياء التي جعلوها هزؤا مثل عذاب جهنم وشجرة الزقوم وهو ما عبر عنه آنفا ب ( سيئات ما عملوا ) . وإنما عدل عن الإضمار إلى الموصولية لأن في الصلة تغليطا لهم وتنديما على ما فرطوا من أخذ العدة ليوم الجزاء على طريقة قول عبدة بن الطيب : .
إن الذين ترونهم إخوانكم ... يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا والمعنى : أنهم قد أودعوا جهنم فأحاط بهم سرادقها .
والباء في ( به يستهزئون ) يجوز حملها على السببية وعلى تعدية فعل ( يستهزئون ) إلى ما لا يتعدى إليه أي العذاب .
( وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين [ 34 ] ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزؤا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون [ 35 ] ) لما أودعوا جهنم وأحاطت بهم نودوا ( اليوم ننساكم ) إلى آخره تأييسا لهم من العفو عنهم .
وبني فعل ( قيل ) للنائب حطا لهم عن رتبة أن يصرح باسم الله في حكاية الكلام الذي واجههم به كما أشرنا إليه عند قوله آنفا ( وإذا قيل إن وعد الله حق ) بناء على أن ضمير ( ننساكم ) ضمير الجلالة وليس من قول الملائكة فإن كان من قول خزنة جهنم ببناء فعل ( وقيل ) للنائب للعلم بالفاعل .
وأطلق النسيان على الترك المؤبد على سبيل المجاز المرسل لأن النسيان يستلزم ترك الشيء المنسي في محله أو تركه على حالته ويجوز أن يكون النسيان مستعارا للإهمال وعدم المبالاة أي فلا تتعلق الإرادة بالتخفيف عنهم وعلى هذين الاعتبارين يفسر معنى النسيان الثاني .
والكاف في ( كما نسيتم لقاء يومكم ) للتعليل كما في قوله تعالى ( واذكروه كما هداكم ) أي جزاء نسيانكم هذا اليوم أي إعراضكم عن الإيمان به .
واللقاء : وجدان شيء شيئا في مكان وهو المصادفة يقال : لقي زيد عمرا ولقي العصفور حبة .
ولقاء اليوم أطلق اليوم على ما فيه من الأحداث على سبيل المجاز المرسل لأنه أوجز من تعداد الأهوال الحاصلة منذ البعث إلى قضاء الجزاء على الأعمال .
وإضافة يوم إلى ضمير المخاطبين ( في يومكم ) باعتبار أن ذلك اليوم ظرف لأحوال تتعلق بهم فإن الإضافة تكون لأدنى ملابسة إلا ترى أنه أضيف إلى ضمير المؤمنين في قوله تعالى ( وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) .
ووصف اليوم باسم الإشارة تمييزه أكمل تمييز تكميلا لتعريفه بالإضافة لئلا يلتبس عليهم بيوم آخر .
وعطف ( ومأواكم النار ) على ( اليوم ننساكم ) ليعلموا أن تركهم في النار ترك مؤبد فأن المأوى هو مسكن الشخص الذي يأوي إليه بعد أعماله فالمعنى أنكم قد أويتم إلى النار فأنتم باقون فيها وتقدم نظير قوله ( وما لكم من ناصرين ) قريبا والمقصود تخطئة زعمهم السابق أن الأصنام تنفعهم في الشدائد