ويجوز أن يكون حرف ( من ) للبيان فالعذاب هو الرجز ويجوز أن يكون للتبعيض أي عذاب مما يسمى بالرجز وهو أشده .
و ( أليم ) يجوز أن يكون وصفا ل ( عذاب ) فيكون مرفوعا وكذلك قرأه الجمهور . ويجوز أن يكون وصفا ل ( رجز ) فيكون مجرورا كما قرأه ابن كثير وحفص عن عاصم .
( الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون [ 12 ] ) A E استئناف ابتدائي للانتقال من التذكير بما خلق الله من العوالم وتصاريف أحوالها من حيث إنها دلالات على الوحدانية إلى التذكير بما سخر الله للناس من المخلوقات وتصاريفها من حيث كانت منافع الناس تقتضي أن يشكروا مقدرها فجحدوا بها إذ توجهوا بالعبادة إلى غير المنعم عليهم ولذلك علق بفعلي ( سخر ) في الموضعين مجرور بلام العلة بقوله ( لكم ) ؛ على أن هذه التصاريف آيات أيضا مثل اختلاف الليل والنهار وما انزل الله من السماء من ماء وتصريف الرياح ولكن لوحظ هنا ما فيها من النعم كما لوحظ هنالك ما فيها من الدلالة والفطن يستخلص من المقامين كلا الأمرين على ما يشبه الاحتباك . ومناسبة هذا الانتقال واضحة .
واسم الجلالة مسند إليه والموصول مسند وتعريف الجزأين مفيد الحصر وهو قصر قلب بتنزيل المشركين منزلة من يحسب أن تسخير البحر وتسخير ما في السماوات والأرض إنعام من شركائهم كقوله تعالى ( هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ) فكان هذا القصر إبطالا لهذا الزعم الذي اقتضاه هذا التنزيل .
وقوله ( لتجري الفلك فيه ) بدل اشتمال من ( لكم ) لأن في قوله ( لكم ) إجمالا أريد تفصيله .
فتعريف ( الفلك ) تعريف الجنس وليس جري الفلك في البحر بنعمة على الناس إلا باعتبار أنهما يجرونهما للسفر في البحر فلا حاجة إلى جعل الألف واللام عوضا عن المضاف إليه من باب ( فإن الجنة هي المأوى ) .
وعطف عليه ( ولتبتغوا من فضله ) باعتبار ما فيه من عموم الاشتمال فحصل من مجموع ذلك أن تسخير البحر لجري الفلك فيه للسفر لقضاء مختلف الحاجات حتى التنزه وزيارة الأهل .
وعطف ( ولعلكم تشكرون ) على قوله ( لتجري الفلك فيه ) لا باعتبار ما اشتمل عليه إجمالا بل باعتبار لفظه في التعليق بفعله . وهذا مناط سوق هذا الكلام أي لعلكم تشكرون فكفرتم وتقدم نظير مفردات هذه الآية غير مرة ما أغنى عن أعادته .
( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ) هذا تعميم بعد تخصيص اقتضاه الاهتمام أولا ثم التعميم ثانيا . و ( ما في السماوات وما في الأرض ) عام مخصوص بما تحصل للناس فائدة من وجوده : كالشمس للضياء والمطر للشراب أو من بعض أحواله : كالكواكب للاهتداء بها في ظلمات البر والبحر والشجر للاستظلال والأنعام للركوب والحرث ونحو ذلك . وأما ما في السماوات والأرض مما لا يفيد الناس فغير مراد مثل الملائكة في السماء والأهوية المنحبسة في باطن الأرض التي يأتي منها الزلزال .
وانتصب ( جميعا ) على الحال من ( ما في السماوات وما في الأرض ) . وتنوينه تنوين عوض عن المضاف إليه أي جميع ذلك مثل تنوين ( كل ) في قوله ( كلا هدينا ) .
و ( من ) ابتدائية أي جميع ذلك من عند الله ليس لغيره فيه أدنى شركة . وموقع قوله ( منه ) موقع الحال من المضاف إليه المحذوف المعوض عنه التنوين أو من ضمير ( جميعا ) لأنه في معنى مجموعا .
( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون [ 13 ] ) أي في ذلك المذكور من تسخير البحر وتسخير ما في السماوات والأرض دلائل على تفرد الله بالإلهية فهي وإن كانت مننا يحق أن يشكرها الناس فأنها أيضا دلائل إذا تفكر فيها المنعم عليهم اهتدوا بها فحصلت لهم منها ملائمات جسمانية ومعارف نفسانية وبهذا الاعتبار كانت في عداد الآيات المذكورة قبلها من قوله ( إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين ) وإنما أخرت عنها لأنها ذكرت في معرض الامتنان بأنها نعم ثم عقبت بالتنبيه على أنها أيضا دلائل على تفرد الله بالخلق .
وأوثر التفكر بالذكر في آخر صفات المستدلين بالآيات لأن الفكر هو منبع الإيمان والإيقان والعلم المتقدمة في قوله ( لآيات للمؤمنين ) ( آيات لقوم يؤمنون ) ( آيات لقوم يعقلون )