ومقول ( قيله ) هو ( يا رب ) فقط أي أقسم بنداء الرسول ربه نداء مضطر .
A E وذكر ابن هشام في شرح الكعبية عن أبي حاتم السجستاني : أن من جر فقوله بظن وتخليط وأنكره عليه ابن هشام لإمكان تخريج الجر على وجه صحيح .
وقد حذف بعد النداء ما نودي لأجله مما دل عليه مقام من أعيته الحيلة فيهم ففوض أمره إلى ربه فأقسم الله بتلك الكلمة على أنهم لا يؤمنون ولكن الله سينتقم منهم فلذلك قال ( فسوف تعلمون ) .
والإشارة ب ( هؤلاء ) إلى المشركين من أهل مكة كما هي عادة القرآن غالبا ووصفهم بأنهم قوم لا يؤمنون أدل على تمكن عدم الإيمان منهم من أن يقول : هؤلاء لا يؤمنون .
( فاصفح عنهم وقل سلام فسوف تعلمون [ 89 ] ) الفاء فصيحة لأنها أفصحت عن مقدر أي إذ قلت ذلك القيل وفوضت الأمر إلينا فسأتولى الانتصاف منهم فاصفح عنهم أي أعرض عنهم ولا تحزن لهم وقل لهم إن جادلوك : سلام أي سلمنا في المجادلة وتركناها .
وأصل ( سلام ) مصدر جاء بدلا من فعله . فأصله النصب وعدل إلى رفعه لقصد الدلالة على الثبات كما تقدم في قوله ( الحمد لله رب العالمين ) .
يقال : صفح يصفح من باب منع بمعنى : أعرض وترك وتقدم في أول السورة ( أفنضرب عنكم الذكر صفحا ) ولكن الصفح المأمور به هنا غير الصفح المنكر وقوعه في قوله ( أفنضرب عنكم الذكر صفحا ) .
وفرع عليه ( فسوف تعلمون ) تهديدا لهم ووعيدا . وحذف مفعول ( تعلمون ) للتهويل لتذهب نفوسهم كل مذهب ممكن .
وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر وروح عن يعقوب ( تعلمون ) بالمثناة الفوقية على أن ( فسوف تعلمون ) مما أمر الرسول بأن يقوله لهم أي وقل سوف تعلمون . وقرأه الجمهور بياء تحتية على أنه وعد من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه منتقم من المكذبين .
وما في هذه الآية من الأمر بالإعراض والتسليم في الجدال والوعيد ما يؤذن بانتهاء الكلام في هذه السورة وهو من براعة المقطع .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الدخان .
سميت هذه السورة ( حم الدخان ) . روى الترمذي بسندين ضعيفين يعضد بعضهما بعضا : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( من قرأ حم الدخان في ليلة أو في ليلة الجمعة ) الحديث .
واللفظان بمنزلة اسم واحد لأن كلمة ( حم ) غير خاصة بهذه السورة فلا تعد علما لها ولذلك لم يعدها صاحب الإتقان في عداد السور ذوات أكثر من اسم .
وسميت في المصاحف وفي كتب السنة ( سورة الدخان ) .
ووجه تسميتها بالدخان وقوع لفظ الدخان فيها المراد به آية من آيات الله أيد الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فلذلك سميت به اهتماما بشأنه وإن كان لفظ ( الدخان ) بمعنى آخر قد وقع في سورة ( حم تنزيل ) في قوله ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان ) وهي نزلت قبل هذه السورة على المعروف من ترتيب تنزيل سور القرآن عن رواية جابر بن زيد التي اعتمدها الجعبري وصاحب الإتقان على أن وجه التسمية لا يوجبها .
وهي مكية كلها في قول الجمهور . قال ابن عطية : هي مكية لا أحفظ خلافا في شيء منها . ووقع في الكشاف استثناء قوله ( إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون ) ولم يعزه إلى قائل ومثله القرطبي وذكره الكواشي قولا وما عزاه إلى معين .
وأحسب أنه قول نشأ عما فهمه القائل وسنبينه في موضعه .
وهي السورة الثالثة والستون في عد نزول السور في قول جابر بن زيد نزلت بعد سورة الزخرف وقبل سورة الجاثية في مكانها هذا .
وعدت آيها ستا وخمسين عند أهل المدينة ومكة والشام وعدت عند أهل البصرة سبعا وخمسين وعند أهل الكوفة تسعا وخمسين .
أغراضها .
أشبه افتتاح هذه السورة فاتحة سورة الزخرف من التنويه بشأن القرآن وشرفه وشرف وقت ابتداء نزوله ليكون ذلك مؤذنا أنه من عند الله ودالا على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وليتخلص منه إلى أن المعرضين عن تدبر القرآن ألهاهم الاستهزاء واللمز عن التدبر فحق عليهم دعاء الرسول بعذاب الجوع إيقاظا لبصائرهم بالأدلة الحسية حين لم تنجع فيهم الدلائل العقلية ليعلموا أن إجابة الله دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم دليل على أنه أرسله ليبلغ عنه مراده .
فأنذرهم بعذاب يحل بهم علاوة على ما دعا به الرسول صلى الله عليه وسلم تأييدا من الله له بما هو زائد على مطلبه .
A E