وعدل عن إعادة حرف ( ما ) مرة أخرى للتفادي من ذكر حرف واحد ثلاث مرات لأن تساوي هذه المنفيات الثلاثة في علم الله تعالى . وفي كون أزمان حصولها سواء بالنسبة للحال وللاستقبال يسد علينا باب ادعاء الجمهور الفرق بين ( ما ) و ( لا ) في تخليص المضارع لزمان الحال مع حرف ( ما ) وتخليصه للاستقبال مع حرف ( لا ) . ويؤيد رد ابن مالك عليهم فإن الحق في جانب قول ابن مالك .
وحرف ( من ) بعد مدخولي ( ما ) في الموضعين لإفادة عموم النفي ويسمى حرفا زائدا .
والباء في ( بعلمه ) للملابسة . وتقدم نظيره في سورة فاطر .
وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم ( ثمرات ) بالجمع . وقرأه الباقون ( ثمرة ) واحدة الثمرات .
( ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد [ 48 ] وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص [ 49 ] ) عطف على الجملة قبلها فإنه لما تضمن قوله ( إليه يرد علم الساعة ) إبطال شبهتهم بأن عدم بيان وقتها يدل على انتفاء حصولها وأتبع ذلك بنظائر لوقت الساعة مما هو جار في الدنيا دوما عاد الكلام إلى شأن الساعة على وجه الإنذار مقتضيا إثبات وقوع الساعة بذكر بعض ما يلقونه في يومها .
و ( يوم ) متعلق بمحذوف شائع حذفه في القرآن تقديره : واذكر يوم يناديهم .
والضمير في ( ينادي ) عائد إلى ( ربك ) في قوله ( وما ربك بظلام للعبيد ) والنداء كناية عن الخطاب العلني كقوله ( ينادونهم ألم نكن معكم ) . وقد تقدم الكلام على النداء عند قوله تعالى ( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان ) في آل عمران وقوله ( ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها ) في سورة الأعراف .
وجملة ( أين شركائي ) يصح أن يكون مقول قول محذوف كما صرح به في آية أخرى ( ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ) ( ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين ) . وحذف القول ليس بعزيز .
ويصح أن تكون مبينة لما تضمنه ( يناديهم ) من معنى الكلام المعلن به . وجاءت جملة ( قالوا آذناك ) غير معطوفة لأنها جارية على طريقة حكاية المحاورات كما تقدم عند قوله تعالى ( وإذ قال ربك للملائكة ) إلى قوله ( ما لا تعلمون ) .
و ( آذناك ) أخبرناك وأعلمناك . وأصل هذا لا فعل مشتق من الاسم الجامد وهو الأذن بضم الهمزة وسكون الذال وقال تعالى ( فقل آذنتكم على سواء ) وقال الحارث بن حلزة : .
" آذنتنا ببينها أسماء وصيغة الماضي في ( آذناك ) إنشاء فهو بمعنى الحال مثل : بعت وطلقت أي نأذنك ونقر بأنه ما منا من شهيد .
والشهيد يجوز أن يكون بمعنى المشاهد أي المبصر أي ما أحد منا يرى الذين كنا ندعوهم شركاءك الآن أي لا نرى واحدا من الأصنام التي كنا نعبدها فتكون جملة ( وضل عنهم ما كانوا يدعون ) في موضع الحال والواو واو الحال . ويجوز أن يكون الشهيد بمعنى الشاهد أي ما منا أحد يشهد أنهم شركاؤك فيكون ذلك اعترافا بكذبهم فيما مضى وتكون جملة ( وضل عنهم ) معطوفة على جملة ( قالوا آذناك ) أي قالوا ذلك ولم يجدوا واحدا من أصنامهم .
وفعل ( آذناك ) معلق عن العمل لورود النفي بعده .
وضل : حقيقته غاب عنهم أي لم يجدوا ما كانوا يدعونهم من قبل في الدنيا قال تعالى ( بل ضلوا عنهم ) . فالمراد هنا : غيبة أصنامهم عنهم وعدم وجودها في تلك الحضرة بقطع النظر عن كونها ملقاة في جهنم أو بقيت في العالم الدنيوي حين فنائه .
وإذ لم يجدوا ما كانوا يزعمونه فقد علموا أنهم لا محيص لهم أي لا ملجأ لهم من العذاب الذي شاهدوا إعداده فالظن هنا بمعنى اليقين .
والمحيص مصدر ميمي أو اسم مكان من : حاص يحيص إذا هرب أي ما لهم مفر من النار .
( لا يسئم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط [ 49 ] ولئن أذقنه رحمة من بعد ضراء ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ) اعتراض بين أجزاء الوعيد . والمعنى : وعلموا ما لهم من محيص . وقد كانوا إذا أصابتهم نعماء كذبوا بقيام الساعة فجملة ( لا يسأم الإنسان من دعاء الخير ) إلى قوله ( قنوط ) تمهيد لجملة ( ولئن أذقناه رحمة منا ) إلخ... .
A E