والريب : الشك فوصف ( شك ) ب ( مريب ) من قبيل الإسناد المجازي لقصد المبالغة بأن اشتق له من اسمه وصف كقولهم : ليل أليل ! وشعر شاعر .
( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد [ 46 ] ) هذا من مكملات التسلية ومن مناسبات ذكر الأجل المسمى . وفيه معنى التذييل لأن ( من ) في الموضعين مفيدة للعموم سواء اعتبرت شرطية أو موصولة . ووجود الفاء في الموضعين : إما لأنهما جوابان للشرط وإما لمعاملة الموصول معاملة الشرط وهو استعمال كثير .
والمعنى : أن الإمهال إعذار لهم ليتداركوا أمرهم .
وتقدم قريب من هذه الآية في سورة الزمر كما تقدم نظير ( وما ربك بظلام للعبيد ) لفظا في سورة غافر .
وحرف ( على ) مؤذن بمؤاخذة وتحمل أعباء كما أن اللام في قوله ( فلنفسه ) مؤذن بالعطاء .
والخطاب في ( ربك ) للرسول A وفيه ما تقدم من تعزيز تسليته عند قوله آنفا ( ولولا كلمة سبقت من ربك ) من العدول إلى لفظ الرب المضاف إلى ضمير المخاطب .
والمراد بنفي الظلم عن الله تعالى لعبيده : أنه لا يعاقب من ليس منهم بمجرم لأن الله لا وضع للناس شرائع وبين الحسنات والسيئات ووعد وأوعد فقد جعل ذلك قانونا فصار العدول عنه إلى عقاب من ليس بمجرم ظلما إذا الظلم هو الاعتداء على حق الغير في القوانين المتلقاة من الشرائع الإلهية أو القوانين الوضعية المستخرجة من العقول الحكيمة .
وأما صيغة ( ظلام ) المقتضية المبالغة في الظلم فهي معتبرة قبل دخول النفي على الجملة التي وقعت هي فيها كأنه قيل : ليعذب الله المسيء لكان ظلاما له وما هو بظلام وهذا معنى قول علماء المعاني : إن النفي إذا توجه إلى كلام مقيد قد يكون النفي نفيا للقيد وقد يكون القيد قيدا في النفي ومثلوه بهذه الآية . وهذا استعمال دقيق في الكلام البليغ في نفي الوصف المصوغ بصيغة المبالغة من تمام عدل الله تعالى أن جعل كل درجات الظلم في رتبة الظلم الشديد .
( إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ) كانوا إذا أنذروا بالبعث وساعته استهزأوا فسألوا عن وقتها وكان ذلك مما يتكرر منهم قال تعالى ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ) فلما جرى ذكر دليل إحياء الموتى وذكر إلحاد المشركين في دلالته بسؤالهم عنها استهزاء انتقل الكلام إلى حكاية سؤالهم تمهيدا للجواب عن ظاهره وتقديم المجرور على متعلقه لإفادة الحصر أي إلى الله يفوض علم الساعة لا إلي فهو قصر قلب . ورد عليهم بطريق الأسلوب الحكيم أي الأجدر أن تعلموا أن لا يعلم أحد متى الساعة وأن تؤمنوا بها وتستعدوا لها . ومثله قول النبي A وسأله رجل من المسلمين : متى الساعة ؟ فقال له : " ماذا أعددت لها " أي استعدادك لها أولى بالاعتناء من أن تسأل عن وقتها .
والرد : الإرجاع وهو مستعمل لتفويض علم ذلك إلى الله والتبرؤ من أن يكون للمسؤول علم به فكأنه جيء بالسؤال إلى النبي A فرده إلى الله . وفي حديث موسى مع الخضر في الصحيح " فعاتب الله موسى أن لم يرد العلم إليه " وقال تعالى ( ولو ردوه إلى الرسول ) الآية .
وعطف جملة ( وما تخرج من ثمرات من ثمرات من أكمامها ) وما بعدها توجيه لصرف العلم بوقت الساعة إلى الله بذكر نظائر لا يعلمها الناس وليس علم الساعة بأقرب منها فإنها أمور مشاهدة ولا يعلم تفصيل حالها إلا الله أي فليس في عدم العلم بوقت الساعة حجة على تكذيب من أنذر بها لأنهم قالوا ( متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) أي أن لم تبين لنا وقته فلست بصادق . فهذا وجه ذكر تلك النظائر وهي ثلاثة أشياء : أولها : علم ما تخرجه أكمام النخيل من الثمر بقدره وجودته وثباته أو سقوطه وضمير ( أكمامها ) راجع إلى الثمرات . والأكمام : جمع كم بكسر الكاف وتشديد الميم وهو وعاء الثمر وهو الجف الذي يخرج من النخلة محتويا على طلع الثمر .
ثانيها : حمل الأنثى من الناس والحيوان ولا يعلم التي تلقح من التي لا تلقح إلا الله .
A E ثالثها : وقت وضع الأجنة فإن الإناث تكون حوامل مثقلة ولا يعلم وقت وضعها باليوم والساعة إلا الله