وجيء في هذا الشرط ب ( إن ) التي الأصل فيها عدم الجزم بوقوع الشرط ترفيعا لقدر النبي A فإن نزغ الشيطان له إنما يفرض كما يفرض المحال ألا ترى إلى قوله تعالى ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) فجاء في ذلك الشرط بحرف ( إذا ) التي الأصل فيها الجزم بوقوع الشرط أو بغلبة وقوعه .
و ( ما ) زائدة بعد حرف الشرط لتوكيد الربط بين الشرط وجوابه وليست لتحقيق حصول الشرط فإنها تزداد كثيرا بعد ( إن ) دون أن تكون دالة على الجزم بوقوع فعل الشرط .
وضمير الفصل في قوله ( إنه هو السميع العليم ) لتقوية الحكم وهو هنا حكم كنائي لأن المقصود لازم وصف السميع العليم وهو مؤاخذة من تصدر منهم أقوال وأعمال في أذى النبي A والكيد له ممن أمر بأن يدفع سيئاتهم بالتي هي أحسن .
والمعنى : فإن سول لك الشيطان أن لا تعامل أعداءك بالحسنة وزين لك الانتقام وقال لك : كيف تحسن إلى أعداء الدين وفي الانتقام منهم قطع كيدهم للدين فلا تأخذ بنزغه وخذ بما أمرناك واستعذ بالله من أن يزلك الشيطان فإن الله لا يخفى عليه أمر أعدائك وهو يتولى جزاءهم .
( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون [ 37 ] ) عطف على جملة ( قل أينكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ) الآية عطف القصة فإن المقصود من ذكر خلق العوالم أنها دلائل على انفراد الله بالإلهية فلذلك أخبر هنا عن المذكورات في هذه الجملة بأنها من آيات الله انتقالا في أفانين الاستدلال فإنه انتقال من الاستدلال بذوات من مخلوقاته إلى الاستدلال بأحوال من أحوال تلك المخلوقات فابتدئ ببعض الأحوال السماوية وهي حال الليل والنهار وحال طلوع الشمس وطلوع القمر ثم ذكر بعده بعض الأحوال الأرضية بقوله ( ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة ) .
ويدل لهذا الانتقال أنه من أسلوب الغيبة من قوله ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة ) إلى قوله ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ) إلى أسلوب خطابهم رجوعا إلى خطابهم الذي في قوله ( أينكم لتكفرون بالذي خلق الأرض ) .
والآيات : الدلائل وإضافتها إلى ضمير الله لأنها دليل على وحدانيته وعلى وجوده .
واختلاف الليل والنهار آية من آيات القدرة التي لا يفعلها غير الله تعالى فلا جرم كانت دليلا على انفراده بالصنع فهو منفرد بالإلهية . وتقدم الكلام على الليل والنهار عند قوله تعالى في سورة البقرة ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ) .
والمراد بالشمس والقمر ابتداء هنا حركتهما المنتظمة المستمرة وأما خلقهما فقد علم من خلق السماوات والأرض كما تقدم آنفا في قوله ( فقضاهن سبع سماوات ) فإن الشمس إحدى السماوات السبع والقمر تابع للشمس ولم يذكر ما يدل على بعض أحوال الشمس والقمر مثل طلوع أو غروب أو فلك أو نحو ذلك ليكون صالحا للاستدلال بأحوالهما وهو المقصود الأول ولخلقهما تأكيد لما استفيد من قوله ( فقضاهن سبع سماوات ) توفيرا للمعاني .
ولما جرى الاعتبار بالشمس والقمر وكان في الناس أقوام عبدوا الشمس والقمر وهم الصابئة ومنبعهم من العراق من زمن إبراهيم عليه السلام وقد قص الله خبرهم في سورة الأنعام في قوله ( فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي ) الآيات ثم ظهر هذا الدين في سبأ عبدوا الشمس كما قصه الله في سورة النمل .
A E ولم أقف على أن العرب في زمن نزول القرآن كان منهم من يعبد الشمس والقمر ويظهر من كلام الزمخشري أنه لم يقف على ذلك لقوله هنا " لعل ناسا منهم كانوا يسجدون للشمس والقمر " اه . ولكن وجود عبادة الشمس في اليمن أيام سبأ قبل أن يتهودوا يقتضي بقاء آثاره من عبادة الشمس في بعض بلاد العرب . وقد ذكر من أصنام العرب صنم اسمه " شمس " وبه سموا " عبد شمس " وكذلك جعلهم من أسماء الشمس الإلهة قالت مية بنت أم عتبة : .
تروحنا من العباء عصرا ... فاعجلنا الإلهة أن تؤوبا وكان الصنم الذي اسمه شمس يعبده بنو تميم وضبة وتميم وعكل واد . وكنت وقفت على أن بعض كنانة عبدوا القمر