وهذه الآية تقتضي أن هذا الصنف من الملائكة خاص برفقة المؤمنين وولائهم ولا حظ للكافرين فيهم فإن كان الحفظة من خصائص المؤمنين ظاهر وإن كان الحفظة موكلين على المؤمنين والكافرين كما مشى عليه الجمهور وهو ظاهر قوله تعالى ( كلا بل تكذبون بالدين وإن عليك لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ) فهذا صنف من الملائكة موكل بحفظ المؤمنين في الدنيا وهم غير الحفظة وقد يكون هذا الصنف من الملائكة هو المسمى بالمعقبات في قوله تعالى ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ) حسب ما تقدم في سورة الرعد .
وقد دلت عدة آثار متفاوتة في القبول على أن الملائكة الذين لهم علاقة بالناس عموما أو بالمؤمنين خاصة أصناف كثيرة . وعن عثمان ( أنه سأل النبي A : كم من ملك على الإنسان فذكر له عشرين ملكا ) . ولعل وصف الملائكة المتنزلين بأنهم أولياء يقتضي أن عملهم مع المؤمن عمل صلاح وتأييد مثل إلهام الطاعات ومحاربة الشياطين ونحو ذلك وبذلك تتم مقابلة تنزلهم على المؤمنين بذكر تقييض القرناء للكافرين وهذا أحسن .
وجملة ( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ) عطف على ( التي كنتم توعدون ) وما بينهما جملة كما بينته آنفا .
ومعنى ( ما تدعون ) : ما تتمنون . يقال : ادعى أي تمنى وقد تقدم عند قوله تعالى ( ولهم ما يدعون ) في سورة يس .
والمعنى : لكم فيها ما تشتهونه مما يقع تحت الحس وما تتمنونه في نفوسكم من كل ما يخطر بالبال مما يجول في الخيال فما يدعون غير ما تشتهيه أنفسهم .
ولهذه المغايرة أعيد ( لكم ) ليؤذن باستقلال هذا الوعد عن سابقه فلا يتوهم أن العطف عطف تفسير أو عطف عام على خاص .
والنزل بضم النون وضم الزاي : ما يهيأ للضيف من القرى وهو مشتق من النزول لأنه كرامة النزيل وهو هنا مستعار لما يعطونه من الرغائب سواء كانت رزقا أم غيره . ووجه الشبه سرعة إحضاره كأنه مهيأ من قبل أن يشتهوه أو يتمنوه .
ومن ( غفور رحيم ) صفة ( نزلا ) و ( من ) ابتدائية .
وانتصب ( نزلا ) على الحال من ( ما تشتهي أنفسكم ) . و ( ما تدعون ) حال كونه كالنزل المهيأ للضيف أي تعطونه كما يعطي النزل للضيف .
وأوثرت صفتا ( الغفور الرحيم ) هنا للإشارة إلى أن الله غفر لهم أو لأكثرهم اللمم وما تابوا منه وأنه رحيم بهم لأنهم كانوا يحبونه ويخافونه ويناصرون دينه .
( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين [ 33 ] ) ليس هذا من حكاية خطاب الملائكة للمؤمنين في الآخرة وإنما هو موجه من الله فالأظهر أنه تكملة للثناء على الذين قالوا : ربنا الله واستقاموا وتوجيه لاستحقاقهم تلك المعاملة الشريفة وقمع للمشركين إذ تقرع أسماعهم أي كيف لا يكونون بتلك المثابة وقد قالوا أحسن القول وعملوا أحسن العمل . وذكر هذا الثناء عليهم بحسن قولهم عقب ذكر مذمة المشركين ووعيدهم على سوء قولهم : لا تسمعوا لهذا القرآن مشعر لا محالة بان بين الفريقين بونا بعيدا طرفاه : الحسن المصرح به والأسوأ المفهوم بالمقابلة أي فلا يستوي الذين قالوا أحسن القول وعملوا أصلح العمل مع الذين قالوا أسوأ القول وعملوا أسوأ العمل ولهذا عقب بقوله ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ) .
والواو إما عاطفة على جملة ( إن الذين قالوا ربنا الله ) أو حالية من ( الذين قالوا ) . والمعنى : أنهم نالوا ذلك إذ أحسن منهم قولا وعملا .
و ( من ) استفهام مستعمل في النفي أي لا أحد أحسن قولا من هذا الفريق كقوله ( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله ) الآية في سورة النساء .
A E ومن دعا إلى الله : كل أحد ثبت له مضمون هذه الصلة . والدعاء إلى شيء : أمر غيرك بالإقبال على شيء ومنه قولهم : الدعوة العباسية والدعوة العلوية وتسمية الواعظ عند بني عبيد بالداعي لأنه يدعو إلى التشيع لآل علي بن أبي طالب . فالدعاء إلى الله : تمثيل لحال الآمر بإفراد الله بالعبادة ونبذ الشرك بحال من يدعو أحدا بالإقبال إلى شخص وهذا حال المؤمنين حين أعلنوا التوحيد وهو ما وصفوا به آنفا في قوله ( إن الذين قالوا ربنا الله ) كما علمت وقد كان المؤمنون يدعون المشركين إلى توحيد الله وسيد الداعين إلى الله هو محمد A