وتنزل الملائكة على المؤمنين يحتمل أن يكون في وقت الحشر كما دل عليه قولهم ( التي كنتم توعدون ) وكما يقتضيه كلامهم لهم لأن ظاهر الخطاب أنه حقيقة فذلك مقابل قوله ( ويوم نحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون ) فأولئك تلاقيهم الملائكة بالوزع والمؤمنون تتنزل عليهم الملائكة بالأمن .
وذكر التنزل هنا للتنويه بشأن المؤمنين أن الملائكة ينزلون من علوياتهم لأجلهم فأما أعداء الله فهم يجدون الملائكة حضرا في المحشر يزعونهم وليسوا يتنزلون لأجلهم فثبت للمؤمنين بهذا كرامة ككرامة الأنبياء والمرسلين إذ ينزل الله عليهم الملائكة . والمعنى : أنه يتنزل على كل مؤمن ملكان هما الحافظان اللذان كانا يكتبان أعماله في الدنيا . ولتضمن ( تتنزل ) معنى القول وردت بعده ( أن ) التفسيرية . والتقدير : يقولون لا تخافوا ول تحزنوا .
ويجوز أن يكون تنزل الملائكة عليهم في الدنيا وهو تنزل خفي يعرف بحصول آثاره في نفوس المؤمنين ويكون الخطاب ب ( لا تخافوا ولا تحزنوا ) بمعنى إلقائهم في روعهم عكس وسوسة الشياطين القرناء بالتزيين أي يلقون في أنفس المؤمنين ما يصرفهم عن الخوف والحزن ويذكرهم بالجنة فتحل فيهم السكينة فتنشرح صدورهم بالثقة بحلولها ويلقون في نفوسهم نبذ ولاية من ليسوا من حزب الله فذلك مقابل قوله ( وقيضنا لهم قرناء ) الآية فإنه تقييض في الدنيا . وهذا يقتضي أن المؤمنين الكاملين لا يخافون غير الله ولا يحزنون على ما يصيبهم ويوقنون أن كل شيء بقدر وهم فرحون بما يترقبون من فضل الله .
وعلى هذا المعنى فقوله ( التي كنتم ) تعتبر ( كان ) فيه مزيدة للتأكيد ويكون المضارع في ( توعدون ) على أصل استعماله للحال والاستقبال ويكون قولهم ( نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) أيبدأ لهم في الدنيا ووعدا بنفعهم في الآخرة .
و ( لا ) ناهية والمقصود من النهي عن الخوف : النهي عن سببه وهو توقع الضر أي لا تحسبوا أن الله معاقبكم فالنهي كناية عن التأمين من جانب الله تعالى لأنهم إذا تحققوا الأمن زال خوفهم وهذا تطمين من الملائكة لأنفس المؤمنين .
والخوف : غم في النفس ينشأ عن ظن حصول مكروه شديد .
والحزن : غم في النفس ينشأ عن وقوع مكروه بفوات نفع أو حصول ضر .
وألحقوا بتأمينهم بشارتهم لأن وقع النعيم في النفس موقع المسرة إذا لم يخالطه توقع المكروه .
ووصف الجنة ب ( التي كنتم توعدون ) تذكير لهم بأعمالهم التي وعدوا عليها بالجنة وتعجيل لهم بمسرة الفوز برضى الله وتحقيق وعده أي التي كنتم توعدونها في الدنيا .
وفي ذكر فعل الكون تنبيه على أنهم متأصلون في الوعد بالجنة وذلك من سابق إيمانهم وأعمالهم .
وفي التعبير بالمضارع في ( توعدون ) إفادة أنهم قد تكرر وعدهم بها وذلك بتكرر الأعمال الموعود لأجلها وبتكرر الوعد في مواقع التذكير والتبشير .
وقول الملائكة ( نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) تعريف بأنفسهم للمؤمنين تأنيسا لهم .
فإن العلم بأن المتلقي صاحب قديم يزيد نفس القادم انشراحا وأنسا ويزيل عنه دهشة القدوم يخفف عنه من حشمة الضيافة ويزيل عنه وحشة الاغتراب أي نحن الذي كنا في صحبتكم في الدنيا إذ كانوا يكتبون حسناتهم ويشهدون عند الله بصلاتهم كما في حديث ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : أتيناهم وهم يصلون وتركناه وهم يصلون ) . وقد حفظوا العهد فكانوا أولياء المؤمنين في الآخرة وقد جيء بهذا القول معترضا بين صفات الجنة ليتحقق المؤمنون أن بشارتهم بالجنة بشارة محب يفرح لحبيبه بالخير ويسعى ليزيده .
A E واعلم أن قوله ( في الحياة الدنيا ) إشارة إلى مقابلة قوله في المشركين ( وقيضنا لهم قرناء ) فكما قيض للكفار قرناء في الدنيا قيض للمؤمنين ملائكة بالثناء على المؤمنين