وأسوأ : اسم تفضيل مسلوب المفاضلة وإنما أريد به السيئ فصيغ بصيغة التفضيل للمبالغة في سوءه . وإضافته إلى ( الذي كانوا يعملون ) من إضافة البعض إلى الكل وليس من إضافة اسم التفضيل إلى المفضل عليه .
والإشارة ب ( ذلك جزاء أعداء الله ) إلى ما تقدم وهو الجزاء والعذاب الشديد على أسوا أعمالهم . وأعداء الله : هم المشركون الذين تقدم ذكرهم بقوله تعالى ( ويوم نحشر أعداء الله ) .
والنار عطف بيان من ( جزاء أعداء الله ) .
و ( دار الخلد ) : النار . فقوله ( لهم فيها دار الخلد ) جاء بالظرفية بتنزيل النار منزلة ظرف لدار الخلد وما دار الخلد إلا عين النار . وهذا من أسلوب التجريد ليفيد مبالغة معنى الخلد في النار . وهو معدود من المحسنات البديعية ومنه قوله تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) وقول أبي حامد العتابي : .
" وفي الرحمان للضعفاء كافي أي والرحمان كاف للضعفاء .
والخلد : طول البقاء وأطلق في اصطلاح القرآن على البقاء المؤبد الذي لا نهاية له .
وانتصب ( جزاء ) على الحال من ( دار الخلد ) . والباء للسببية . و ( ما ) مصدرية أي جزء بسبب كونهم يجحدون بآياتنا .
وصيغة المضارع في ( يجحدون ) دالة على تجدد الجحود حينا فحينا وتكرره . وعدي فعل ( يجحدون ) بالباء لتضمينه معنى : يكذبون . وتقديم ( بآياتنا ) للاهتمام وللرعاية على الفاصلة .
( وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين [ 29 ] ) عطف على الجملة ( لهم فيها دار الخلد ) أي ويقولون في جهنم فعدل عن صيغة الاستقبال إلى صيغة المضي للدلالة على تحقيق وقوع هذا القول وهو في معنى قوله تعالى ( حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذابا ضعفا من النار ) فالقائلون ( ربنا أرنا الذين أضلانا ) : هم عامة المشركين كما يدل عليه قوله ( اللذين أضلانا ) .
ومعنى ( أرنا ) عين لنا وهو كناية عن إرادة انتقامهم منهم ولذلك جزم ( نجعلهما ) في جواب الطلب على تقدير : إن ترناهما نجعلهما تحت أقدامنا .
والجعل تحت الأقدام : الوطء بالأقدام والرفس أي نجعل آحادهم تحت أقدام آحاد جماعتنا فإن الدهماء أكثر من القادة فلا يعوزهم الانتقام منهم . وكان الوطء بالأرجل من كيفيات الانتقام والامتهان قال ابن وعلة الجرمي : .
ووطئنا وطأ على حنق ... وطأ المقيد نابت الهرم وإنما طلبوا أن يروهما لأن المضلين كانوا في دركات من النار أسفل من دركات أتباعهم فلذلك لم يعرفوا أين هم .
والتعليل ( ليكونا من الأسفلين ) توطئة لاستجابة الله تعالى لهم أن يريهموهما لأنهم علموا من غضب الله عليهم أنه أشد غضبا على الفريقين المضلين فتوسلوا بعزمهم على الانتقام منهم إلى تيسير تمكينهم من الانتقام منهم .
والأسفلون : الذين هم أشد حقارة من حقارة هؤلاء الذين كفروا أي ليكونوا أحقر منا جزاء لهم فالسفالة مستعارة للإهانة والحقارة .
وقرأ الجمهور ( أرنا ) بكسر الراء . وقرأه ابن كثير وابن عامر والسوسي عن أبي عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب بسكون الراء للتخفيف من ثقل الكسرة كما قالوا : فخذ في فخذ . وعن الخليل إذا قلت : أرني ثوبك بكسر الراء فالمعنى : رصرنيه وإذا قلته بسكون الراء فهو استعطاء معناه : أعطنيه . وعلى هذا يكون معنى قراءة ابن كثير وابن عامر ومن وافقهما : مكنا من الذين أضلانا كي نجعلهما تحت أقدامنا أي ائذن لنا بإهانتهما وخزيهما .
وقرأ ابن كثير ( اللذين ) بتشديد النون من اسم الموصول وهي لغة وتقدم في قوله تعالى ( واللذان يأتيانها منكم ) في سورة النساء .
A E ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون [ 30 ] نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون [ 31 ] نزلا من غفور رحيم [ 32 ] )