وقوله ( وأورثنا الأرض ) كلام جرى مجرى المثل لمن ورث الملك قال تعالى ( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) فعبر القرآن عن مراد أهل لجنة المختلفي اللغات بهذا لتركيب العربي الدال على معاني ما نطقوا به من لغاتهم المختلفة .
ويجوز أن يكون أهل الجنة نطقوا بكلام عربي ألهمهم الله إياه فق جاء في الآثار أن كلام أهل الجنة بالعربية الفصحى . ولفظ ( الأرض ) جار على مراعاة التركيب التمثيلي لأن الأرض قد اضمحلت أو بدلت .
ويجوز أن يكون لفظ ( الأرض ) مستعارا للجنة لأنها قرارهم كما أن الأرض قرار الناس في الحياة الأولى .
وإطلاق الإيراث استعارة تشبيها للإعطاء بالتوريث في سلامته من تعب الاكتساب .
والتنبؤ : السكني والحلول والمعنى : أنهم ينتقلون في الغرف والبساتين تفننا في النعيم .
وأرادوا ب ( العاملين ) أنفسهم أي عاملي الخير وهذا من التصريح بالحقائق فليس فيه عيب تزكية النفس لأن ذلك العالم عالم الحقائق الكاملة المجردة عن شوب النقائض .
واعلم أن الآيات وصفت مصير أهل الكفر ومصير المتقن يوم الحشر وسكتت عن مصير أهل المعاصي الذين لم يلتحقوا بالمتقين بالتوبة من الكبائر وغفران الصغائر باجتناب الكبائر وهذه عادة القرآن في الإعراض عن وصف رجال من الأمة الإسلامية بمعصية ربهم إلا عند الاقتضاء لبيان الأحكام فإن الكبائر من أمر الجاهلية فما كان لأهل الإسلام أن يقعوا فيها فإذا وقعوا فيها فعليهم بالتوبة فإذا ماتوا غير تائبين فإن الله تعالى يحصي لهم حسنات أعمالهم وطيبات نواياهم فيقاصهم بها إن شاء ثم هم فيما دون ذلك يقتربون من العقاب بمقدار اقترابهم من حال أهل الكفر في وفرة المعاصي فيؤمر بهم إلى النار أو إلى الجنة ومنهم أهل لأعراف . وقد تقدمت نبذة من هذا الشأن في سورة الأعراف .
( وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ) عطف على ما قبله من ذكر أحوال يوم القيامة التي عطف بعضها على بعض ابتداء من قوله تعالى ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض ) - إن من جملة تلك الأحوال حف الملائكة حول العرش .
والخطاب للنبي A فيكون إيذانا بأنها رؤية دنو من العرش وملائكته وذلك تكريم له يأن يكون قد حواه موكب الملائكة الذين حول العرش .
والحف : الإحداق بالشيء والكون بجوانبه .
وجملة ( يسبحون بحمد ربهم ) حال أي يقولون أقوالا تدل على تنزيه الله تعالى وتعظيمه ملابسة لحمدهم إياه . فالباء في ( بحمد ربهم ) للملابسة تتعلق ب ( يسبحون ) .
وفي استحضار الله تعالى بوصف ربهم إيماء إلى أن قربهم من العرش ترفيع في مقام العبودية الملازمة للخلائق .
( وقضي بينهم بالحق ) تأكيد لجملة ( وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ) المتقدمة .
( وقيل الحمد لله رب العالمين [ 75 ] ) يجوز أن يكون توكيدا لجملة ( وقالوا الحمد الذي صدقناه وعده ) . ويجوز أن يكون حكاية قول آخر لقائلين من الملائكة والرسل وأهل الجنة فهو أعم من القول المتقدم الذي هو قول المسوقين إلى الجنة من المتقين فهذا قولهم يحمدون الله على عدل قضائه وجميع صفات كماله .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة المؤمن .
وردت تسمية هذه السورة في السنة " حم المؤمن " روى الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله وسلم " من قرأ حم المؤمن " إلى " إليه المصير " وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما " الحديث . وبذلك اشتهرت في مصاحف المشرق وبذلك ترجمها البخاري في صحيحه والترمذي في الجامع . ووجه التسمية أنها ذكرت فيها قصة مؤمن آل فرعون ولم تذكر في سورة أخرى بوجه صريح .
والوجه في إعراب هذا الاسم حكاية كلمة ( حم ) ساكنة الميم بلفظها الذي يقرأ . وبإضافته إلى لفظ " المؤمن " بتقدير : سورة حم ذكر المؤمن أو لفظ المؤمن وتسمى أيضا " سورة الطول " لقوله تعالى في أولها ( ذي الطول ) وقد تنوسي هذا الاسم . وتسمى سورة غافر لذكر وصفه تعالى " غافر الذنب " في أولها . وبهذا الاسم اشتهرت في مصاحف المغرب