واللام في ( ليوم الحساب ) لام العلة أي وعدتموه لأجل يوم الحساب . والمعنى لأجل الجزاء يوم الحساب فلما كان الحساب مؤذنا بالجزاء جعل اليوم هو العلة . وهذه اللام تفيد معنى التوقيت تبعا كقوله تعالى ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) تنزيلا للوقت منزلة العلة . ولذلك قال الفقهاء : أوقات الصلوات أسباب .
( إن هذا لرزقنا ما له من نفاد [ 54 ] ) يجري محمل اسم الإشارة هذا على الاحتمالين المذكورين في الكلام السابق .
والعدول عن الضمير إلى اسم الإشارة لكمال العناية بتمييزه وتوجيه ذهن السامع إليه .
وأطلق الرزق على النعمة كما في قول النبي A " لو أن أحدهم قال حين يضاجع أهله : اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ثم ولد لهما ولد لم يمسه شيطان أبدا " فسمى الولد رزقا .
والتوكيد ب ( إن ) للاهتمام . والنفاد : الانقطاع والزوال .
( هذا وإن للطاغين لشر مآب [ 55 ] جهنم يصلونها فبئس المهاد [ 56 ] ) اسم الإشارة ( هذا ) مستعمل في الانتقال من غرض إلى غرض تنهية للغرض الذي قبله .
والقول فيه كالقول في ( هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب ) . والتقدير : هذا شأن المتقين أو هذا الشأن أو هذا كما ذكر .
وجملة ( يصلونها ) حال من ( جهنم ) وهي حال مؤكد لمعنى اللام الذي هو عامل في ( الطاغين ) فإن معنى اللام أنهم تختص بهم جهنم واختصاصها بهم هو ذوق عذابها لأن العذاب ذاتي لجهنم .
والطاغي : الموصوف بالطغيان وهو : مجاوز الحد في الكبر والتعاظم . والمراد بهم عظماء أهل الشرك لأنهم تكبروا بعظمتهم على قبول الإسلام وأعرضوا عن دعوة الرسول A بكبر واستهزاء وحكموا على عامة قومهم بالابتعاد عن النبي A وعن المسلمين وعن سماع القرآن وهم : أبو جهل وأمية بن خلف وعتبة ابن ربيعة والوليد بن عتبة والعاصي بن وائل واضرابهم .
والفاء في ( فبئس المهاد ) لترتيب الإخبار وتسببه على قبله نظير عطف الجمل ب ( ثم ) وهي كالفاء في قوله تعالى ( فلم تقتلوهم ) بعد قوله ( فلا تولوهم الأدبار ) في سورة الأنفال . وهذا استعمال بديع كثير في القرآن وهو يندرج في استعمالات الفاء العاطفة ولم يكشف عنه في مغنى اللبيب .
والمعنى : جهنم يصلونها فيتسبب على ذلك أن نذكر ذم هذا المقر لهم وعبر عن جهنم ب ( المهاد ) على وجه الاستعارة شبه ما هم فيه من النار من تحتهم بالمهاد وهو فراش النائم كقوله تعالى ( لهم من جهنم مهاد ) .
( هذا فليذوقوه حميم وغساق [ 57 ] وآخر من شكله أزواج [ 58 ] ) اسم الإشارة هنا جار على غالب مواقعه وهو نظير قوله ( هذا ما توعدون ليوم الحساب ) والقول فيه مثله .
وإشارة القريب لتقريب الإنذار والمشار إليه ما تضمنه قوله ( جهنم يصلونها ) من الصلي ومن معنى العذاب أو الإشارة إلى شر من قوله ( لشر مآب ) .
و ( حميم ) خبر عن اسم الإشارة . ومعنى الجملة في معنى بدل الاشتمال لأن شر المآب أو العذاب مشتمل على الحميم والغساق وغيره من شكله والمعنى : أن ذلك لهم لقوله ( وإن للطاغين لشر مآب ) فما فصل به شر المآب وعذاب جهنم فهو في المعنى معمول للام .
A E والغساق قرأه الجمهور بتخفيف السين . وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف بتشديدها . قيل هما لغتان وقيل : غساق بالتشديد مبالغة في غساق بمعنى سائل فهو على هذا وصف لموصوف محذوف وليس اسما لأن الأسماء التي على زنة فعال قليلة في كلامهم .
والغساق : سائل يسيل في جهنم يقال : غسق الجرح إذا سال منه ماء أصفر . واحسب أن هذا الاسم بهذا الوزن أطلقه القرآن على سائل كريه يسقونه كقوله ( بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب ) . وأحسب أنه لم تكن هذه الزنة من هذه المادة معروفة عند العرب وبذلك يومئ كلام الراغب . وهذا سبب اختلاف المفسرين في المراد منه . والأظهر : أنه صيغ له هذا الوزن ليكون اسما لشيء يشبه ما يغسق به الجرح ولذلك سمي بالمهل والصديد في آيات أخرى .
وجملة ( فليذوقوه ) معترضة بين اسم الإشارة والخبر عنه وهذا من الاعتراض المقترن بالفاء دون الواو والفاء فيه كالفاء في قوله ( فبئس المهاد ) وقد تقدمت آنفا .
وموقع الجملة كموقع قوله ( فامنن أو أمسك ) كما تقدم آنفا