وقوله ( متكئين فيها ) تقدم قريب منه في سورة يس .
و ( يدعون ) : يأمرون بأن يجلب لهم يقال : دعا بكذا أي سأل ان يحضر له .
والباء في قولهم : دعا بكذا للمصاحبة والتقدير : دعا مدعوا يصاحبه كذا قال عدي بن زيد : .
ودعوا بالصبوح يوما فجاءت ... قينة في يمينها إبريق قال تعالى في سورة يس ( لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون ) .
وانتصب ( متكئين ) على الحال من ( المتقين ) وهي حال مقدرة . وجملة ( يدعون ) حال ثانية مقدرة أيضا .
والشراب : اسم للمشروب وغلب إطلاقه على الخمر إذا لم يكن في الكلام ذكر للماء كقوله آنفا ( هذا مغتسل بارد وشراب ) . وتنوين ( شراب ) هنا للتعظيم أي شراب نفيس في جنسه كقول أبي خراش الهذلي : .
" لقد وقعت على لحم ( وعندهم قاصرات الطرف ) ( عند ) ظرف مكان قريب و ( قاصرات الطرف ) صفة لموصوف محذوف أي نساء قاصرا النظر . وتعريف ( الظرف ) تعريف الجنس الصادق بالكثير أي قاصرات الأطراف . والطرف : النظر بالعين وقصر الطرف توجيهه إلى منظور غير متعدد فيجوز أن يكون المعنى : أنهن قاصرات أطرافهن على أزواجهن . فالأطراف المقصورة أطرافهن .
وإسناد ( قاصرات ) إلى ضميرهن إسناد حقيقي أي لا يوجهن أنظارهن إلى غيرهم وذلك كناية عن محبتهن على أزواجهن .
ويجوز أن يكون المعنى : أنهن يقصرن أطراف أزواجهن عليهن فلا تتوجه أنظار أزواجهن إلى غيرهن اكتفاء منهم بحسنهن وذلك كناية عن تمام حسنهن في أنظار أزواجهن بحيث لا يتعلق استحسانهم بغيرهن فالأطراف المقصورة أطراف أزواجهن وإسناد ( قاصرات ) إليهن مجاز عقلي إذ كان حسنهن سبب قصر أطراف الأزواج فإنهن ملابسات سبب سبب القصر .
وأتراب : جمع ترب بكسر التاء وسكون الراء وهو اسم لمن كان عمره مساويا عمر من يضاف إليه تقول : هو ترب فلان وهي ترب فلانة ولا تلحق لفظ ترب علامة تأنيث .
والمراد : أنهن أتراب بعضهن لبعض وأنهن أتراب لأزواجهن لأن التحاب بين الأقران أمكن .
والظاهر أن ( أتراب ) وصف قائم بجميع نساء الجنة من مخلوقات الجنة ومن النساء اللاتي كن أزواجا في الدنيا لأصحاب الجنة فلا يكون بعضهن أحسن شبابا من بعض فلا يلحق بعض أهل الجنة غض إذا كانت نساء غيره أجد شبابا ولئلا تتفاوت نساء الواحد من المتقين في شرخ الشباب فيكون النعيم بالأقل شبابا دون النعيم بالأجد منهن .
وتقدم الكلام على ( وعندهم قاصرات الطرف عين ) في سورة الصافات .
( هذا ما توعدون ليوم الحساب [ 53 ] ) استئناف ابتدائي فيجوز أن يكون كلاما قيل للمتقين وقت نزول الآية فهو مؤكد لمضمون جملة ( وإن للمتقين لحسن مآب ) . والإشارة إذن إلى ما سبق ذكره من وقله ( لحسن مآب ) فاسم الإشارة هنا مغاير لاستعماله المتقدم في قوله ( هذا ذكر ) . وجيء باسم الإشارة القريب تنزيلا للمشار غليه منزلة المشار إليه الحاضر إيماء إلى أنه محقق وقوعه تبشيرا للمتقين . والتعبير بالمضارع في قوله ( توعدون ) على ظاهره .
A E ويجوز أن يكون كلاما يقال للمتقين في الجنة فتكون الجملة مقول قول محذوف هو في محل حال ثانية من ( المتقين ) . والتقدير : مقولا لهم : هذا ما توعدون ليوم الحساب . والقول : إما من الملائكة مثل قوله تعالى ( ادخلوا الجنة بما كنت تعملون ) وإما من جانب الله تعالى نظير قوله لضدهم ( ونقول ذوقوا عذاب الحريق ) .
والإشارة إذن إلى ما هو مشاهد عندهم من النعيم .
وقرأ الجمهور ( توعدون ) بتاء الخطاب فهو على الاحتمال الأول التفات من الغيبة إلى الخطاب لتشريف المتقين بعز الحضور لخطاب الله تعالى وعلى الاحتمال الثاني الخطاب لهم على ظاهره . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحده ( يوعدون ) بياء الغيبة فهو على الاحتمال الأول التفات عن توجيه الخطاب إليهم إلى توجيهه للطاغين لزيادة التنكيل عليهم . والإشارة إلى المذكور من ( حسن المآب ) وعلى الاحتمال الثاني كذلك وجه الكلام إلى أهل المحشر لتنديم الطاغين وإدخال الحسرة والغم عليهم . والإشارة إلى النعيم المشاهد