وعطف ( وإن جندنا لهم الغالبون ) بشارة للمؤمنين فإن المؤمنين جند الله أي أنصاره لأنهم نصروا دينه وتلقوا كلاه كما سموا حزب الله في قوله ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) إلى قوله ( أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ) إلى قوله ( أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) .
وقوله ( لهم الغالبون ) يشمل علوهم على عدوهم في مقام الحجاج وملاحم القتال في الدنيا وعلوهم عليهم في الآخرة كما قال تعالى ( والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة ) فهو من استعمال ( الغالبون ) في حقيقته ومجازه .
ومعنى ( المنصورون ) و ( الغالبون ) في أكثر الأحوال وباعتبار العاقبة فلا ينافي أنهم يغلبون نادرا ثم تكون لهم العاقبة أو المراد النصر والغلبة الموعود بهما قريبا وهما ما كان يوم بدر .
( فتول عنهم حتى حين [ 174 ] وأبصرهم فسوف يبصرون [ 175 ] ) هذا مفرع على التسلية التي تضمنها قوله ( ولقد سبقت كلمتنا ) .
التولي حقيقته : المفارقة كما تقدم في قصة إبراهيم ( فتولوا عنه مدبرين ) واستعمل هنا مجازا في عدم الاهتمام بما يقولونه وترك النكد من إعراضهم .
والحين : الوقت . وأجمل هنا إيماء إلى تقليله أي تقريبه فالتنكير للتحقير المعنوي وهو التقليل .
ومعنى ( أبصرهم ) أنظر إليهم أي من الآن وعدي ( أبصر ) إلى ضميرهم الدال على ذواتهم وليس المراد النظر إلى ذواتهم لكن إلى أحوالهم أي تأمل أحوالهم تر كيف نصرك عليهم وهذا وعيد بما حل بهم يوم بدر .
وحذف ما يتعلق به الإبصار من حال أو مفعول معه بتقدير : وأبصرهم مأسورين مقتولين أو وأبصرهم وما يقصى به عليهم من أسر وقتل لدلالة ما تقدم من قوله ( إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ) عليه إذ ليس المأمور به أيضا ذواتهم وهذا من دلالة الاقتضاء .
وصيغة الأمر في ( وأبصرهم ) مستعملة في الإرشاد على حد قول : .
إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ ... فدعه وواكل أمره واللياليا أي إذا شئت أن تتحقق قرارة حاله فانتظره .
A E وعبر عن ترتيب نزول الوعيد بهم بفعل الإبصار للدلالة على أن ما توعدوا به واقع لا محالة وأنه قريب حتى أن الموعود بالنصر يتشوف إلى حلوله فكان ذلك كناية عن تحققه وقربه لأن تحديق البصر لا يكون إلا إلى شيء أشرف على الحلول .
وتفريع ( فسوف يبصرون ) على ( وأبصرهم ) تفريع لإنذارهم بوعيد قريب على بشارة النبي A بقربه فإن ذلك البصر يسر النبي A ويحزن أعداءه ففي الكلام اكتفاء كنه قيل : أبصرهم وما ينز بهم فسوف تبصر ما وعدناك وليبصروا ما ينزل بهم فسوف يبصرونه .
وحذف مفعول ( يبصرون ) لدلالة ما دلت عليه الاقتضاء .
واعلم أن تفريع ( فسوف يبصرون ) على ( وأبصرهم ) يمنع من إرادة أن يكون المعنى : وأبصرهم حين ينزل بهم العذاب بعد ذلك الحين كما لا يخفى .
( أفبعذابنا يستعجلون [ 176 ] فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين [ 177 ] ) هذا تفريع على التأجيل المذكور في قوله ( حتى حين ) فإن ذلك ما أنذرهم بعذاب يحل بهم توقع أنهم سيقولون على سبيل الاستهزاء أرنا العذاب الذي تخوفنا به وعجله لنا .
وبعض المفسرين ذكر أنهم قالوه فلوحظ ذلك وفرع عليه استفهام تعجيبي من استعجالهم ا في تأخيره والنظرة به رأفة بهم واستبقاء لهم حينا .
والفاء في قوله ( فإذا نزل بساحتهم ) فاء الفصيحة أي كانوا يستعجلون بالعذاب فإذا نزل بهم فبئس وقت نزوله .
وإسناد النزول إلى العذاب وجعله في ساحتهم استعارة تمثيلية مكنية شبهت هيئة حصول العذاب لهم بعد ما أنذروا به فلم يعبأوا بهيئة نزول جيش عدو في ساحتهم بعد أن أنذرهم به النذير العريان فلم يأخذوا أهبتهم حتى أناخ بهم .
وذكر الصباح لأنه من علائق الهيئة المشبهه بها فإن شأن الغارة أن تكون في الصباح ولذلك كان نذير المجيء بغارة عدو ينادي : يا صباحاه ! نداء ندبة وتفجيع .
ولذلك جعل جواب ( إذا ) قوله ( فساء صباح المنذرين ) أي بئس الصباح صباحهم .
وفي وصفهم ب ( المنذرين ) ترشيح للتمثيل وتورية في اللفظ لأن المشبهين منذرون من الله بالعذاب . والذين يسوء صباحهم عند الغارة هم المهزومون فكأنه قيل : فإذا نزل بساحتهم كانوا مغلوبين