انتقال من ذكر كفر المشركين بتعدد الإله وبإنكار البعث وما وصفوا به الرسول A من السحر والجنون ثم بما نسبوا لله مما لا يليق بإلهيته وما تخلل ذلك من المواعظ والوعيد لهم والوعد للمؤمنين والعبرة بمصارع المكذبين السابقين وما لقيه رسل الله من أقوامهم .
فانتقل الكلام إلى ذكر ما كفر به المشركون من تكذيب القرآن الذي أنزله الله هدى لهم فالمقصود من هذا هو قوله ( فكفروا به ) أي الذكر وإنما قدم له في نظم الكلام ما فيه تسجيل عليهم تهافتهم في القول إذ كانوا قبل أن يأتيهم محمد A بالكتاب المبين يودون أن يشرفهم الله بكتاب لهم كما شرف الأولين ويرجون لو كان ذلك أن يكونوا عبادا لله مخلصين له فلما جاءهم ما رغبوا فيه كفروا به وذلك أفظع الكفر لأنه كفر بما كانوا على بصيرة من أمره إذ كانوا يتمنونه لأنفسهم ويغبطون الأمم التي أنزل عليهم مثله فلم يكن كفرهم عن مباغتة ولا عن قلة تمكن من النظر .
وتأكيد الخبر ب ( إن ) المخففة من الثقلية وبلام الابتداء الفارقة بين المخففة والنافية للتسجيل عليهم بتحقيق وقوع ذلك منهم ليسد عليهم باب الإنكار .
وإقحام فعل ( كانوا ) للدلالة على أن خبر ( كان ) ثابت لهم في الماضي .
والتعبير بالمضارع في ( يقولون ) لإفادة أن ذلك تكرر منهم .
و ( لو ) شرطية وسدت ( أن ) وصلتها مسد فعل الشرط وهو كثير في الكلام .
والذكر : الكتاب المقروء سمي ذكرا لأنه الناس بما يجب عليهم مسمى بالمصدر . وتقدم عند قوله تعالى ( وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ) في سورة الحجر .
و ( من الأولين ) صفة ل ( ذكرا ) والمراد ب ( الأولين ) الرسل السابقون و ( من ) ابتدائية أي ذكرا جائيا من الرسل الأولين أي مثل موسى وعيسى . ومرادهم بهذا أن الرسل الأولين لم يكونوا مرسلين إليهم ولا بلغوا إليهم كتابهم ولو كانوا مرسلين إليهم لآمنوا بهم فكانوا عباد الله المخلصين فذكر في جواب ( لو ) ما هو أخص من الإيمان ليفيد معنى الإيمان بدلالة الفحوى .
A E وفي جملة ( لكنا عباد الله المخلصين ) صيغة قصر من أجل كون المسند إليه معرفة بالإضمار والمسند بالإضافة أي لكنا عباد الله دون غيرنا ولما وصف المسند ب ( المخلصين ) وهو معرف بلام الجنس حصل قصر عباد الله الذين لهم صفة الإخلاص في المسند شبيهين بالمنفردين بالإخلاص لعدم الاعتداد بإخلاص لعدم الاعتداد بإخلاص غيرهم في جانب إخلاصهم . وهو يؤول إلى معنى تفضيل أنفسهم في الإخلاص لله حينئذ كما صرح به في قوله تعالى ( أو تقولوا لو أنا أنزل علينا لكنا أهدى منهم ) .
والفاء في قوله ( فكفروا به ) للتعقيب على فعل ( ليقولون ) أي استمر قولهم حتى كان آخره أن جاءهم الكتاب فكفروا به أو للفضيحة والتقدير : فكان عندهم ذكر فكفروا به فالضمير عائد إلى الذكر وهو القرآن قال تعالى : ( إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز ) . وهذا معنى قوله تعالى ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا ) .
وبهذا كان للوعيد بقوله ( فسوف يعلمون ) موقعه المصادف المجز من الكلام وهوله بما ضمنه من الإبهام .
و ( سوف ) أخت السين في إفادة مطلق الاستقبال .
( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين [ 171 ] إنهم لهم المنصورون [ 172 ] وإن جندنا لهم الغالبون [ 173 ] ) تسلية للنبي A على ما تضمنه قوله ( فكفروا به ) وبيان لبعض الوعيد الذي في قوله ( فسوف يعلمون ) بمنزلة بدل البعض من الكل ولكنه غلب عليه جانب التسلية فعطف بالواو عطف القصة على القصة .
والكلمة مراد بها الكلام عبر عن الكلام بكلمة إشارة إلى أنه منتظم في معنى واحد اللفظ كقوله تعالى ( كلا إنها كلمة هو قائلها ) وقول النبي A " أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد : .
" ألا كل شيء ما خلا الله باطل وبينت الكلمة بجملة ( إنهم لهم المنصورون ) أي الكلام المتضمن وعدهم بأن بنصرهم الله على الذين كذبوهم وعادوهم وهذه بشارة للنبي A عقب تسليته لأنه داخل في عموم المرسلين