وقوله ( بينه وبين الجنة ) يجوز أن يكون حالا من ( نسبا ) أي كائنا بينه وبين الجنة أي أن نسبه تعالى أي نسله سبحانه ناشئ من بينه وبين الجن . ويجوز أن يكون متعلقا ب ( جعلوا ) أي جعلوا في الاقتران بينه وبين الجن نسبا له أي جعلوا من ذلك نسبا يتولد له فقوله ( بينه وبين الجنة نسبا ) هو كقولك : بين فلان وفلانة بنون أي له منها ولها منه بنون وهذا المعنى هو مراد من فسره بان جعلوا الجن أصهارا لله تعالى فتفسيره النسب بالمصاهرة تفسير بالمعنى وليس المراد أن النسب يطلق على المصاهرة كما توهمه كثيرا لأن هذا الإطلاق غير موجود في دواوين اللغة فلا تغترر به .
ولعدم الغوص في معنى الآية ذهب من ذهب إلى أن المراد بالجنة الملائكة أي جعلوا بين الله وبين الملائكة نسب الأبوة والنبوة وهذا تفسير فاسد لأنه يصير قوله ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) إعادة لما تقدم من قوله ( ألا أنهم من إفكهم ليقولون ولد الله ) ومن قوله ( أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ) .
ومن ذهب إلى أن المراد من ( الجنة ) أصل الجنة وهو الشيطان وأن معنى الآية : أنهم جعلوا الله نسيبا للشيطان نسب الأخوة تعالى الله عن ذلك . على أنه إشارة إلى قول الثنوية من المجوس بوجود إله للخير هو الله وإله للشر هو الشيطان وهم من ملل مجوس فارس وسموا إله الخير " يزدان " وإله الشر " أهرمن " وقالوا كان إله الخير وحده فخطر له خاطر في نفسه من الشر فنشأ منه إله الشر هو " أهرمن " وهو ما نعاه المعري عليهم بقوله : .
قال أناس باطل زعمهم ... فراقبوا الله ولا تزعمن .
" فكر " يزدان على غرة ... فصيغ من تفكيره " أهرمن " A E وهذا الدين كان معروفا عند بعض العرب في الجاهلي من عرب العراق المجاورين لبلاد فارس والخاضعين لسلطانهم ولم يكن معروفا بين أهل مكة المخاطبين بهذه الآيات ولأن الجنة لا يشمل الشياطين إذا أطلق فإن الشيطان كان من الجن إلا أنه تميز به صنف خاص منهم .
وجملة ( ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ) معترضة بين جملة ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) وبين جملة ( سبحان الله عما يصفون ) وجعلوا بينه ) الخ . . حال والواو حالية وضمير ( أنهم ) عائد إلى المشركين أو إلى الجنة والوجهان مرادان فإن الفريقين معاقبان . والمحضرون : المجلوبون للحضور والمراد : محضرون للعقاب بقرينه مقام التوبيخ فإن التوبيخ يتبعه التهديد والغالب في فعل الإحضار أن يراد به إحضار سوء قال تعالى ( ولو لا نعمة ربي لكنت من المحضرين ) ولذلك حذف متعلق ( محضرون ) فأما الإتيان بأحد لإكرامه فيطلق عليه المجيء .
والمعنى : أن الجن تعلم كذب المشركين في ذلك كذبا فاحشا يجازون عليه بالإحضار للعذاب فجعل ( محضرون ) كناية عن كذبهم لأنهم لو كانوا صادقين ما عذبوا على قولهم ذلك .
وظاهره أن هذا العلم حاصل للجن فيما مضى ولعل ذلك حصل لهم من زمان تمكنهم من استراق السمع .
ويجوز أن يكون من استعمال الماضي في موضع المستقبل لتحقيق وقوعه مثل ( أتى أمر الله ) أي ستعلم الجنة ذلك يوم القيامة . والمقصود : أنهم يتحققون ذلك ولا يستطيعون دفع العذاب عنهم فقد كانوا يعبدون الجن لاعتقاد وجاهتهم عند الله بالصهر الذي لهم .
( سبحان الله عما يصفون [ 159 ] ) اتبعت حكاية قولهم الباطل والوعيد عليه باعتراض بين المستثنى منه والمستثنى يتضمن إنشاء تنزيه الله تعالى عما نسبوه إليه فهو إنشاء من جانب الله تعالى لتنزيهه وتلقين للمؤمنين بأن يقتدوا بالله في ذلك التنزيه وتعجيب من فظيع ما نسبوه إليه .
( إلا عباد الله المخلصين [ 160 ] ) اعتراض بين جملة ( سبحان الله عما يصفون ) وجملة ( فإنكم وما تعبدون ) الآية والاستثناء منقطع قيل نشأ عن قوله ( إنهم لمحضرون ) . والمعنى لكن عباد الله المخلصين لا يحضرون وقيل عن قوله ( عما يصفون ) أي لكن عباد الله المخلصين لا يصفونه بذلك وقيل من ضمير ( وجعلوا ) أي لكن عباد الله المخلصين لا يجعلون ذلك . وهو من معنى القول الثاني فالمراد بالعباد المخلصين المؤمنون .
والوجه عندي : أن يكون استثناء منقطعا نشأ عن قوله ( سبحان الله عما يصفون ) فهو مرتبط به لأن ( ما يصفون ) أفاد أنهم يصفون الله بأن الملائكة بناته كما دل عليه قوله ( ألربك البنات )