والالتقام : البلع . والحوت الذي التقمه : حوت عظيم يبتلع الأشياء ولا يعض بأسنانه ويقال : إنه الحوت الذي يسمى ( بالين ) بالإفرنجية .
والمليم : اسم فاعل من ألام إذا فعل ما يلومه عليه الناس لأنه جعلهم لائمين فهم ألامهم على نفسه .
وكان غرقه في البحر المسمى بحر الروم وهو الذي نسميه البحر البيض المتوسط ولم يكن بنهر دجلة كما غلط فيه بعض المفسرين .
وكان من المسبحين بقوله : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) كما في سورة الأنبياء فأنجاه الله بسبب تسبيحه وتوبته فقذفه الحوت من بطنه إلى البر بعد أن مكث في جوف الحوت ثلاث ليال وقيل : يوما وليلة وقيل : بضع ساعات .
ومعنى قوله ( إلى يوم يبعثون ) التأبيد بأن يميت الله الحوت حين ابتلاعه ويبقيهما في قعر البحر أو بأن يختطف الحوت في حجر في البحر أو نحوه فلا يطفو على الماء حتى يبعث يونس يوم القيامة من قعر البحر .
( فنبذناه بالعراء وهو سقيم [ 145 ] وأنبتنا عليه شجرة من يقطين [ 146 ] ) A E الفاء فصيحة لأنها تفصح عن كلام مقدر دل عليه قوله ( فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه ) . فالتقدير : يسبح ربه في بطن الحوت أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجاب الله له ونجاه كما في سورة الأنبياء . والمعنى : فلفظه الحوت وقاءه وحمله الموج إلى الشاطئ .
والنبذ : الإلقاء وأسند نبذه إلى الله هو الذي سخر الحوت لقذفه من بطنه إلى الشاطئ لا شجر فيه .
والعراء : الأرض التي لا شجر فيها ولا ما يغطيها .
وكان يونس قد خرج من بطن الحوت سقيما لأن أمعاء الحوت أضرت بجلده بحركتها حوله فإنه كان قد نزع ثيابه عندما أريد رميه في البحر ليخف للسباحة ولعل الله أصاب الحوت بشبه الإغماء فتعطلت حركة هضمه تعطيلا ما فبقي كالخدر لئلا تضر أمعاؤه لحم يونس .
وأنبت الله شجرة من يقطين لتظلله وتستره . واليقطين : الدباء وهي كثيرة الورق تتسلق أغصانها في الشيء المرتفع فالظاهر أن أغصان اليقطينة تسلقت على جسد يونس فكسته وأظلته . واختير له اليقطين ليمكن له أن يقتات من غلته فيصلح جسده لطفا من ربه به بعد أن أجرى له حادثا لتأديبه شأن الرب مع عبيده أن يعقب الشدة باليسر .
وهذا حدث لم يعهد مثليه من الرسل ولأجله قال النبي A " ما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى " يريد رسول الله A نفسه إذ لا يحتمل أن يكون أراد أحدا آخر إذ لا يخطر بالبال أن يقوله أحد غير الأنبياء .
والمعنى نفي الأخيرية في وصف النبوة أي لا يظنن أحد أن فعلة يونس تسلب عنه النبوة .
فلذلك مثل قوله A " لا تفضلوا بين الأنبياء " أي في أصل النبوة لا في درجاتها فقد قال الله تعالى ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات ) وقال ( ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ) .
واعلم أن الغرض من ذكر يونس هنا تسلية النبي A فيما يلقاه من ثقل الرسالة بأن ذلك قد أثقل الرسل من قبله فظهرت مرتبة النبي A في صبره على ذلك وعدم تذمره وإعلام جميع الناس بأنه مأمور من الله تعالى بمداومة الدعوة للدين لأن المشركين كانوا يلومونه على إلحاحه عليهم ودعوته إياهم في مختلف الأزمان والأحوال ويقولون : لا تغشنا في مجالسنا فمن جاءك منا فاسمعه كما قال عبد الله بن أبي قال تعالى ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته ) فلذكر قصة يونس أثر من موعظة التحذير من الوقوع فيما وقع فيه من غضب ربه ألا ترى إلى قوله تعالى ( فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم ) .
وليعلم الناس أن الله إذا اصطفى أحدا للرسالة لا يرخص له في الفتور عنها ولا ينسخ أمره بذلك لأن الله أعلم حيث يجعل رسالاته .
( وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون [ 147 ] فآمنوا فمتعناهم إلى حين [ 148 ] ) ظاهر ترتيب ذكر الإرسال بعد الإنجاء من الحوت أنه إعادة لإرساله