وجمع هذا الخبر تحريضا على إبطال عبادة " بعل " لأن في الطبع محبة الاقتداء بالسلف في الخير . وقد جمع إلياس من معه من أتباعه وجعل مكيدة لسدنة " بعل " فقتلهم عن آخرهم انتصار للدين وانتقاما لمن قتلتهم " إيزابل " زوجة " آخاب " .
وفي مفاتيح الغيب : ( كان الملقب بالرشيد الكاتب يقول لو قيل : أتدعون بعلا وتدعون أحسن الخالقين أوهم أنه أحسن ) أي أوهم كلام الرشيد أنه لو كانت كلمة ( تدعون ) عوضا عن ( تذرون ) . وأجاب الفخر بأن فصاحة القرآن ليست لأجل رعاية هذه التكاليف بل لأجل قوة المعاني وجزالة الألفاظ اه .
وهو جواب غير مقنع إذ لا سبيل إلى إنكار حسن موقع المحسنات البديعية بعد استكمال مقتضيات البلاغة . قال السكاكي " وأصل الحسن في جميع ذلك " أي ما ذكر من المحسنات البديعية " أن تكون الألفاظ توابع للمعاني لا أن تكون المعاني لها توابع أعني أن لا تكون متكلفة " . فإذا سلمنا أن ( تذرون ) و ( تدعون ) مترادفان لم يكن سبيل إلى إبطال أن إيثار ( تدعون ) أنسب .
A E فالوجه إما يجاب بما قاله سعد الله محشي البيضاوي بأن الجناس من المحسنات فإنما يناسب كلاما صادرا في مقام الرضى لا في مقام الغضب والتهويل . يعني أن كلام إلياس المحكي هنا محكي عن مقام الغضب والتهويل فلا تناسبه اللطائف اللفظية " يعني بالنظر إلى حال المخاطبين به لأن كلامه محكي في العربية بما يناسب مصدره في لغة قائله وذلك من دقائق الترجمة " وهو جواب دقيق وإن كابر فيه الخفاجي بكلام لا يليق وإن تأملته جزمت باختلاله .
وقد أجيب بما يقتضي منع الترادف بين فعلي ( تذرون ) و ( تدعون ) بأن فعل ( يدع ) أخص : إما لأنه يدل عل ترك شيء مع الاعتناء بعدم تركه كما قال سعد الله وإما فعل يدع ترك شيء قبل العلم وفعل ( يذر ) يدل على ترك شيء بعد العلم به كما حكاه سعد الله عن بعض الأئمة عازيا إياه للفخر .
وعندي : أن منع الترادف هو الوجه لكن لا كما قال سعد الله ولا كما نقل عن الفخر بل لأن فعل ( يدع ) قليل الاستعمال في كلام العرب ولذلك لم يقع في القرآن إلا في قراءة شاذة لا سند لها خلافا لفعل ( يذر ) . ولا شك أن سبب ذلك أن فعل ( يذر ) يدل على ترك مع إعراض عن المتروك بخلاف ( يدع ) فإنه يقتضي تركا مؤقتا وأشار إلى الفرق بينهما كلام الراغب فيهما .
وهنالك عدة أجوبة أخرى هي بالإعراض عنها أحرى .
ومعنى ( فكذبوه ) أنهم لم يطيعوه تملقا لملوكهم الذين أجابوا رغبة نسائهم المشركات لإقامة هياكل للأصنام فإن " إيزابل " ابنة ملك الصيدونيين زوجة " أخاب " ملك إسرائيل لما بلغها ما صنع إلياس بسدنة بعل ثارا لمن قتلته " إيزابل " من صالحي إسرائيل أرسلت إلى إلياس تتوعده بالقتل فخرج إلى موضع اسمه " بئر سبع " ثم ساح في الأرض وسأل الله أن يقبضه إليه فأمره بأن يعهد إلى صاحبه " اليسع " بالنبوة من بعده ثم قبضه الله إليه فلم يعرف أحد مكانه .
وفي كتاب " إلياء " من كتب اليهود أن الله رفعه إلى السماء في مركبة يجرها فرسان وأن ( اليسع ) شاهده صاعدا فيها ولذلك كان بعض السلف يقول : إن إلياس هو إدريس الذي قال الله فيه ( إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا ) وقيل كان عبد الله بن مسعود يقرأ ( وإن إدريس لمن المرسلين ) عوض يقتضي ما في كتب اليهود من رفعه أن يكون هو إدريس لأن الرفع إذا صح قد يتكرر وقد رفع عيسى عليه السلام .
ومعنى ( فإنهم لمحضرون ) أن الله يحضرهم للعقاب وقد تقدم عند قوله تعالى ( ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين ) في هذه السورة .
واستثني من ذلك عباد الله المخلصون وهم الذين اتبعوا إلياس وأعانوه على قتل سدنة ( بعل ) . وتقدم القول فيه عند قوله تعالى ( إلا عباد الله المخلصين ) فيما سبق من هذه السورة .
وكذلك قوله ( وتركنا عليه في الآخرين سلام على آل ياسين ) إلى آخر الآية تقدم نظيره .
وقوله ( آل ياسين ) قيل أريد به إلياس خاصة وعبر عنه ب ( ياسين ) لأنه يدعى به . قال في الكشاف : ولعل لزيادة الألف والنون في لغتهم معنى ويكون ذكر ( آل ) إقحاما كقوله ( أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) على أحد التفسيرين فيه وفي قوله ( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة ) .
وقيل : إن ياسين هو أبو إلياس . فالمراد : سلام على إلياس وذويه من آل أبيه