وإلياس هو " إيلياء " من أنبياء بني إسرائيل التابعين لشريعة التوراة وأطلق عليه وصف الرسول لأنه أمر من جانب الله تعالى بتبليغ ملوك إسرائيل أن الله غضب عليهم من أجل عبادة الأصنام فإطلاق وصف الرسول عليه مثل إطلاقه على الرسل إلى أهل أنطاكية المذكورين في سورة يس .
و ( إذ ) ظرف متعلق ب ( المرسلين ) أي أنه من حين ذلك القول كان مبلغا رسالة عن الله تعالى إلى قومه .
وقد تقدم ذكر إلياس في سورة الأنعام والمراد بقومه : بنو إسرائيل وكانوا قد عبدوا بعلا معبود الكنعانيين بسبب مصاهرة بعض ملوك يهودا للكنعانيين ولذلك قام إلياس داعيا قومه إلى نبذ عبادة بعل الصنم وإفراد الله بالعبادة .
وقوله ( ألا ) كلمتان : همزة الاستفهام للإنكار و ( لا ) النافية إنكار لعدم تقواهم وحذف مفعول ( تتقون ) لدلالة ما بعده عليه .
A E و " بعل " اسم صنم الكنعانيين وهو أعظم أصنامهم لأن كلمة بعل في لغتهم تدل على معنى الذكورة . ثم دلت على معنى السيادة فلفظ البعل يطلق على الذكر وهو عندهم رمز على الشمس ويقابله كلمة " تانيت " بمثناتين أي الأنثى وكانت لهم صنعة تسمى عند الفينيقيين بقرطاجنة " تانيت " وهي عندهم رمز القمر وعند فينيقيي أرض فينيقية الوطن الأصلي للكنعانيين تسمى هذه الصنمة " العشتاروث " . وقد أطلق على بعل في زمن موسى عليه السلام اسم " مولك " أيضا وقد مثلوه بصورة إنسان له رأس عجل وله قرنان وعليه إكليل وهو جالس على كرسي مادا يديه كمن يتناول شيئا وكانت صورته من نحاس وداخلها مجوف وقد وضعوها على قاعدة من بناء كالتنور فكانوا يوقدون النار في ذلك التنور حتى يحمى النحاس ويأتون بالقرابين فيضعونها على ذراعيه فتحترق بالحرارة فيحسبون لجهلهم الصنم تقبلها وأكلها من يديه وكانوا يقربون له أطفالا من أطفال ملوكهم وعظماء ملتهم وقد عبده بنو إسرائيل غير مرة تبعا للكنعانيين والعمونيين والمؤبيين وكان لبعل من السدنة في بلاد السامرة أو مدينة صرفة أربعمائة وخمسون سادنا .
وتوجد صورة بعل في دار الآثار بقصر اللوفر في باريس منقوشة على وجه حجارة صوروه بصورة إنسان على رأسه خوذة بها قرنان وبيده مقرعة . ولعلها صورته عند بعض الأمم التي عبدته ولا توجد له صورة في آثار قرطاجنة الفينيقية بتونس .
وجيء في قوله ( وتذرون أحسن الخالقين ) بذكر صفة الله دون اسمه العلم تعريضا بتسفيه عقول الذين عبدوا بعلا بأنهم تركوا عبادة الرب المتصف بأحسن الصفات وأكملها وعبدوا صنما ذاته وخش فكأنه قال : أتدعون صنما بشعا جمع عنصري الضعف وهما المخلوقية وقبح الصورة وتتركون من له صفة الخالقية والصفات الحسنى .
وقرأ الجمهور ( إلياس ) بهمزة قطع في أوله على اعتبار الألف واللام من جملة الاسم العلم فلم يحذفوا الهمزة إذا وصلوا ( إن ) بها . وقرأه ابن عامر بهمزة وصل فحذفها في الوصل مع ( إن ) على اعتبار الألف واللام حرفا للمح الأصل . وأن أصل الاسم ياس مراعاة لقوله ( سلام على آل ياسين ) .
وللعرب في النطق بالأسماء الأعجمية تصرفات كثيرة لأنه ليس من لغتهم فهم يتصرفون في النطق به على ما يناسب أبنية كلامهم .
وجملة ( الله ربكم ورب آبائكم الأولين ) قرأ الأكثر برفع اسم الجلالة وما عطف عليه فهو مبتدأ والجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا والخبر مستعمل في التنبيه على الخطأ بأن عبدوا " بعلا " . وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ويعقوب وخلف بنصب اسم الجلالة على عطف البيان ل ( أحسن الخالقين ) والمقصود من البيان زيادة التصريح لأن المقام مقام إيضاح لأصل الديانة وعلى كلتا القراءتين فالكلام مسوق لتذكيرهم بأن من أصول دينهم أنهم لا رب لهم إلا الله وهذا أول أصول الذين فإنه رب آبائهم فإن لم يعبدوا غير الله من عهد إبراهيم عليه السلام وهو الأب الأول من حين تميزت أمتهم عن غيرهم أو هو يعقوب قال تعالى ( وأوصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) واحتراز ب ( الأولين ) عن آبائهم الذين كانوا في زمان ملوكهم بعد سليمان