والكرب العظيم : هو ما كانوا فيه من المذلة تحت سلطة الفراعنة ومن اتباع فرعون إياهم في خروجهم حين تراءى الجمعان فقال أصحاب موسى ( إنا لمدركون ) فأوحى الله إليه : أن يضرب بعصاه البحر فضربه فانفلق واجتاز منه بنو إسرائيل ثم مد البحر أمواجه على فرعون وجنده على أن الكرب العظيم أطلق على الغرق في قصة نوح السابقة وفي سورة الأنبياء على الأمم التي مروا ببلادها من العمالقة والأموريين فكان بنو إسرائيل منتصرين في كل موقعة قاتلوا فيها عن أمر موسى وما انهزموا إلا حين أقدموا على قتال العمالقة والكنعانيين في سهول وادي " شكول " لأن موسى نهاهم عن قتالهم هنالك كما هو مسطور في تاريخهم .
و ( هم ) من قوله ( فكانوا هم الغالبين ) ضمير فصل وهو يفيد قصرا أي هم الغالبين لغيرهم وغيرهم لم يغلبوهم أي لم يغلبوا ولو مرة واحدة فإن المنتصر قد ينتصر بعد أن يغلب في مواقع .
A E ( وآتيناهما الكتاب المستبين [ 117 ] وهديناهما الصراط المستقيم [ 118 ] وتركنا عليهما في الآخرين [ 119 ] سلام على موسى وهارون [ 120 ] إنا نجزي المحسنين [ 121 ] إنهما من عبادنا المؤمنين [ 122 ] ) ( الكتاب المستبين ) هو التوراة والمستبين القوي الوضوح فالسين والتاء للمبالغة يقال : استبان الشيء إذا ظهر ظهورا شديدا .
وتعدية فعل الإيتاء إلى ضمير موسى وهارون مع أن الذي أوتي التوراة هو موسى كما قال تعالى ( ولقد آتينا موسى الكتاب ) من حيث إن هارون كان معاضدا لموسى في رسالته فكان له حظ من إيتاء التوراة كما قال الله في الآية الأخرى ( ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء ) وهذا من استعمال الإيتاء في معنييه الحقيقي والمجازي .
و ( الصراط المستقيم ) : الدين الحق كما تقدم في سورة الفاتحة وقد كانت شريعة التوراة يوم أوتيها موسى عليه السلام هي الصراط المستقيم فلما نسخت بالقرآن صار القرآن هو الصراط المستقيم للأبد وتعطيل صراط التوراة .
ويجوز أن يراد ب ( الصراط المستقيم ) أصول الديانة التي لا تختلف فيها الشرائع وهي التوحيد وكليات الشرائع التي أشار إليها قوله تعالى ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ) إلى قوله ( وموسى وعيسى ) .
والقول في تفسير ( وتركنا عليهما في الآخرين ) إلى آخر الآيات الأربع كالقول في نظائره عند ذكر نوح في هذه السورة إلا أن احتمال أن تكون جملة ( سلام على موسى وهارون ) مفعولا لفعل ( تركنا عليهما ) على إرادة حكاية اللفظ هنا أضعف منه فيما تقدم إذ ليس يطرد أن يكون تسليم الآخرين على موسى وهارون معا لأن الذي ذكر موسى يقول : السلام على موسى والذي يجري على لسانه ذكر هارون يقول : السلام على هارون ول يجمع اسميهما في السلام إلا الذي يجري على لسانه ذكرهما معا كما يقول المحدث عن جابر : Bه ويقول عن عبد الله ابن حرام Bه فإذا قال : عن جابر بن عبد الله قال : Bهما .
وفي ذكر قصة موسى وهارون عبرة مثل كامل للنبي A في رسالته وإنزال القرآن عليه وهدايته وانتشار دينه وسلطانه بعد خروجه من ديار المشركين .
( وإن إلياس لمن المرسلين [ 123 ] إذ قال لقومه ألا تتقون [ 124 ] أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين [ 125 ] الله ربكم ورب آبائكم الأولين [ 126 ] فكذبوه فإنهم لمحضرون [ 127 ] إلا عباد الله المخلصين [ 128 ] وتركنا عليه في الآخرين [ 129 ] سلام على آل ياسين [ 130 ] إنا كذلك نجزي المحسنين [ 131 ] إنه من عبادنا المؤمنين [ 132 ] ) أتبع الكلام على رسل ثلاثة أصحاب الشرائع : نوح وإبراهيم وموسى بالخبر عن ثلاثة أنبياء وما لقوه من قومهم وذلك كله شواهد لتسلية الرسول محمد A وقوارع من الموعظة لكفار قريش .
وابتدئ ذكر هؤلاء الثلاثة بجملة ( وإن إلياس لمن المرسلين ) لأنهم سواء في مرتبة الدعوة إلى دين الله وفي أنهم لا شرائع لهم . وتأكيد إرسالهم بحرف التأكيد للاهتمام بالخبر لأنه قد يغفل عنه إذ لم تكن لهؤلاء الثلاثة شريعة خاصة