وقراءة عاصم برواية حفص عنه في جميع الشرق من العراق والشام وغالب البلاد المصرية والهند وباكستان وتركيا والأفغان .
A E وبلغني أن قراءة أبي عمرو البصري يقرأ بها في السودان المجاور مصر .
المقدمة السابعة .
قصص القرآن .
امتن الله على رسوله A بقوله ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين ) فعلمنا من قوله ( أحسن ) أن القصص القرآنية لم تسق مساق الإحماض وتجديد النشاط وما يحصل من استغراب مبلغ تلك الحوادث من خير أو شر ؛ لأن غرض القرآن أسمى وأعلى من هذا ولو كان من هذا لساوى كثيرا من قصص الأخبار الحسنة الصادقة فما كان جديرا بالتفضيل على كل جنس القصص .
والقصة : الخبر عن حادثة غائبة عن المخبر بها فليس ما في القرآن من ذكر الأحوال الحاضرة في زمن نزوله قصصا مثل ذكر وقائع المسلمين مع عدوهم . وجمع القصة قصص بكسر القاف وأما القصص بفتح القاف فاسم للخبر المقصوص وهو مصدر سمي به المفعول يقال قص على فلان إذا أخبره بخبر .
وأبصر أهل العلم أن ليس الغرض من سوقها قاصرا على حصول العبرة والموعظة مما تضمنته القصة من عواقب الخير أو الشر ولا على حصول التنويه بأصحاب تلك القصص في عناية الله بهم أو التشويه بأصحابها فيما لقوه من غضب الله عليهم كما تقف عنده أفهام القانعين بظواهر الأشياء وأوائلها بل الغرض من ذلك أسمى وأجل . إن في تلك القصص لعبرا جمة وفوائد للأمة ؛ ولذلك نرى القرآن يأخذ من كل قصة أشرف مواضيعها ويعرض عما عداه ليكون تعرضه للقصص منزها عن قصد التفكه بها . من أجل ذلك كله لم تأت القصص في القرآن متتالية متعاقبة في سورة أو سور كما يكون كتاب تاريخ بل كانت مفرقة موزعة على مقامات تناسبها لأن معظم الفوائد الحاصلة منها لها علاقة بذلك التوزيع هو ذكر وموعظة لأهل الدين فهو بالخطابة أشبه . وللقرآن أسلوب خاص هو الأسلوب المعبر عنه بالتذكير وبالذكر في آيات يأتي تفسيرها ؛ فكان أسلوبه قاضيا للوطرين وكان أجل من أسلوب القصاصين في سوق القصص لمجرد معرفتها لأن سوقها في مناسباتها يكسبها صفتين : صفة البرهان وصفة التبيان ونجد من مميزات قصص القرآن نسج نظمها على أسلوب الإيجاز ليكون شبهها بالتذكير أقوى من شبهها بالقصص مثال ذلك قوله تعالى في سورة القلم ( فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ) فقد حكيت مقالته هذه في موقع تذكيره أصحابه بها لأن ذلك محز حكايتها ولم تحك أثناء قوله ( إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ) وقوله ( فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين ) .
ومن مميزاتها طي ما يقتضيه الكلام الوارد كقوله تعالى في سورة يوسف ( واستبقا الباب ) فقد طوي ذكر حضور سيدها وطرقه الباب وإسراعهما إليه لفتحه فإسراع يوسف ليقطع عليها ما توسمه فيها من المكر به لتري سيدها أنه أراد بها سوءا . وإسراعها هي لضد ذلك لتكون البادئة بالحكاية فتقطع على يوسف ما توسمته فيه من شكاية . فدل على ذلك ما بعده من قوله ( وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ) الآيات ومنها أن القصص بثت بأسلوب بديع إذ ساقها في مظان الاتعاظ بها مع المحافظة على الغرض الأصلي الذي جاء به القرآن من تشريع وتفريع فتوفرت من ذلك عشر فوائد : الفائدة الأولى : أن قصارى علم أهل الكتاب في ذلك العصر كان معرفة أخبار الأنبياء وأيامهم وأخبار من جاورهم من الأمم فكان اشتمال القرآن على تلك القصص التي لا يعلمها إلا الراسخون في العلم من أهل الكتاب تحديا عظيما لأهل الكتاب وتعجيزا لهم بقطع حجتهم على المسلمين قال تعالى ( تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ) فكان حملة القرآن بذلك أحقاء بأن يوصفوا بالعلم الذي وصفت به أحبار اليهود وبذلك انقطعت صفة الأمية عن المسلمين في نظر اليهود وانقطعت ألسنة المعرضين بهم بأنهم أمة جاهلية وهذه فائدة لم يبينها من سلفنا من المفسرين .
A E